مقابلة صحفية خاصة لجريدة المغرب التونسية حول زيارة الملك السعودي لروسيا
الباحث والمحلّل السياسي صلاح النشواتي لـ«المغرب»: «الرياض تسعى لاستعادة العلاقات السابقة مع دمشق عبر البوابة الروسية»
- بقلم وفاء العرفاوي
قال الباحث والمحلل السياسي السوري صلاح النشواتي في حوار لـ«المغرب» انّ الرياض نالت تطمينات روسية على عدة اصعدة بعد زيارة العاهل السعودي الاخيرة الى موسكو . وتابع النشواتي ان طريق موسكو بالنسبة للرياض هو الطريق الوحيد الذي يضمن أقل الخسائر الناتجة عن التورط في الحرب على سوريا واستعادة الدور السابق والعلاقات السابقة مع
دمشق دون إراقة ماء الوجه. واعتبر محدّثنا أنّ النزعات القوميّة في المنطقة والتي تتمثّل في نزعة الاكراد نحو الاستقلال هي جزء من المعضلة التي لاتزال خارجة عن سياق الحلّ .
• لو تقدمون لنا قراءتكم لزيارة العاهل السعودي لروسيا وتأثير نتائج لقائه ببوتين على مستقبل العلاقة بين الجانبين من جهة وعلى واقع المنطقة العربية من جهة اخرى ؟
لا يخفى على أحد أن موسكو اليوم أصبحت من القوى الكبرى الصاعدة في النظام الدولي، وبوصفها قوة كبرى غير قانعة فهي تسعى نحو عالم متعدد الأقطاب ينهي الهيمنة الأمريكية، وتصبح فيه واشنطن أحد الأقوياء وليس أقوى الأقوياء، وهو مايتطلب من القيادة الروسية مراجعة دقيقة لظروف قيام وانهيار الاتحاد السوفيتي بوصفه قطباً دولياً، ومن المعروف عن الرئيس فلاديمير بوتين أنه يهتم كثيراً في دراسة هذه التفاصيل والذي أعرب عن رأيه فيها أكثر من مرة، كوصفه على سبيل المثال الرئيس غورباتشوف أنه أخطأ في تقدير طبيعة التغيير المطلوب للبلاد، ومن هذه الأخطاء وأهمها التي يحاول السيد بوتين تصحيحها على مايبدو هو التقدير الخاطئ لستالين حول الأهمية الاستراتيجية للخليج العربي، فصحيح أن الاتحاد السوفيتي هو أول من اعترف باستقلال المملكة العربية السعودية إلا أنه تجاهل بناء علاقات شراكة استراتيجية تحمي المنطقة من مد النفوذ الأمريكي والأطلسي، وفي ظل الأزمات والحروب التي يمر بها الشرق الأوسط، والتحالفات الروسية بالمنطقة مع دول تعتبرها السعودية التهديد الأول لأمنها القومي كالجمهورية الإسلامية الإيرانية تصبح المهمة أكثر تعقيداً على القيادة الروسية، ولكن الحساب الدقيق لتوقيت مد الجسور الروسية نحو السعودية جعل من تحقيق هذه الشراكة ممكناً، خاصة أن الرياض تعيش حالة عصيبة من التدهور الاقتصادي والتورط في الحرب اليمنية، وزيادة القوة والنفوذ الإيراني في المنطقة على حساب نفوذ الرياض، وخسارتها الفادحة في تحقيق أجندتها في سوريا، مما مكن الدبلوماسية الروسية من التدخل بالوقت المناسب لاحتواء السعودية، على غرار احتواء تركيا.
• كيف ترون نتائج هذه الزيارة؟
الزيارات الرسمية المتبادلة بين الدولتين توجت اخيرا بزيارة الملك سلمان بن عبد العزيز، والذي نال تطمينات كبيرة من موسكو حول أهمية الحفاظ على الأمن القومي السعودي إضافة إلى رغبة سعوديّة في التعلّم من تجربة الاقتصاد الروسي المتكيف والذي استطاع بفترة وجيزة أن يتدارك تبعات الهبوط الشديد في أسعار النفط، أي أنّ روسيا أيضاً تشكل وجهة مهمة وفعالة للرياض وتجارب ودروس يجب الاستفادة منها، مايسمح لموسكو من تحقيق رؤيتها بإعادة رسم دورها في الشرق الأوسط واحتواء الفرقاء فيه وبناء تحالفات جديدة لاتضر بالتحالفات السابقة وإنما تتكامل معها وترسم معادلة مشتركة للأمن الأقليمي تتوحد فيها الرؤى وتنخفض حدة المواجهات والتوترات إلى أدنى مستوى ممكن، ومن هنا جاءت الصفقة الروسية ببيع منظومة الدفاع الجوي الأكثر تطوراً في العالم (S400) إلى السعودية والتي أقل مايمكن فهمها في سياق العلاقات الثنائية على أنها خطوة نحو بناء علاقات شراكة استراتيجية دائمة بين الدولتين بحيث تطمئن موسكو الرياض من خلال هذه المنظومة قلقها من الصواريخ البالستية الإيرانية ومن برامج الأسلحة التي تعمل طهران على تطويرها وتعتبرها الرياض موجهة ضدها، وفي ذات الوقت تعتبر إشارة مهمة حول النية السلمية والتعاونية لدى موسكو مع الرياض بعيداً عن الفرض والهيمنة والاستغلال كما هو الحال مع واشنطن، فهذه المنظومة قادرة على إسقاط أي شيء يطير في السماء من طائرات الجيل السابع إلى أسرع الصواريخ البالستية، وبكل تأكيد فإن هذه الزيارة لن تكون خبراً ساراً للإدارة الأمريكية خاصة أنها لم تحسم خياراتها بعد من الانجذاب التركي نحو الفضاء الأوراسي، مما يجعل المهمة على الإدارة الأمريكية بالغة الصعوبة وترقى إلى فشل استراتيجي يتطلب إعادة تحديد وصياغة معظم المبادئ والمفاهيم في السياسة الخارجية الأمريكية، وهو ما يحتاج إلى وقت طويل لاتملكه واشنطن، ولكن على أقل تقدير لن تكون واشنطن قادرة على إبداء أي ردود أفعال مباشرة بخصوص هذه الملفات، بل سيتكرس رد الفعل الأمريكي بزيادة النزاعات وتصعيد التوتر السعودي الإيراني لإثارة شبح المخاوف السعودية كرادع يمنعها من المضي قدماً نحو الفضاء الأوراسي.
• لو تقدمون أبعاد هذه الزيارة وتاثيراتها على الملف السوري؟
أحد أهم الملفات التي تم طرحها في موسكو بين كل من الرئيس الروسي والملك السعودي بالإضافة إلى ملفات الأمن والطاقة والغذاء والتكنولوجيا هو ملفّ الأزمة السورية والتي لعبت فيه السعودية دوراً تخريبياً بارزاً من خلال دعم مجموعات مسلحة على الأراضي السورية بالعتاد والعديد وتأمين غطاء سياسي لها من خلال منصة الرياض، ولكن بفعل التدخل الروسي تراجعت فعالية هذه المجموعات إلى مادون التأثير الملحوظ،وقلبت عامل الوقت إلى صالح تقدم الجيش العربي السوري ومحاربة الإرهاب دون الإنهاء الكامل للأدوار الأقليمية في الملف السوري وإنما الاكتفاء بتحجيمها والتركيز على مكافحة (داعش والنصرة) من خلال المسارات المتوازية العسكرية والدبلوماسية كما هو الحال في استانا ومبادرة خفض التصعيد والتوتر في المناطق الأربعة، مايعني أن طريق موسكو بالنسبة للرياض هو الطريق الوحيد الذي يضمن أقل الخسائر الناتجة عن التورط في الحرب على سوريا واستعادة الدور السابق والعلاقات السابقة مع دمشق دون إراقة ماء الوجه، وهو ما أبدت السعودية مؤشرات سابقة عنه بالدعوة نحو إعادة تشكيل منصة الرياض والتنازل عن فكرة رحيل الرئيس السوري بشار الأسد، ما يجعل الوسط السياسي في حالة ترقب لانحسار كبير في نشاط المجموعات المسلحة على الأراضي السورية وفي محيط العاصمة في الريف الدمشقي على وجه الخصوص كون غالبية المجموعات المسلحة في تلك المنطقة وفي الجنوب السوري تتبع لإمرة وتمويل المخابرات السعودية، وما يدعو أيضاً للتفاؤل هو توقيع الاتفاقيات الثنائية على شكل حزم من التفاهمات، أي أن هذه التفاهمات والاتفاقيات هي كتلة واحدة غير قابلة للتجزئة، ما يزيد من تكلفة أي محاولة سعودية من التفلت بتعهداتها ولو جزئياً وخاصة أن هذه التفاهمات تشكل جزءًا بالغ الاهمية في الاستراتيجية السعودية الاقتصادية، مايشير إلى أن مؤتمر جنيف القادم سيحمل معه خروقات سياسية وتفاهمات مهمة قد تسرع من إنهاء الحرب في سوريا.
• ماذا بخصوص واقع المشهد السوري الراهن هل صحيح ان الانفراجة قريبة ؟
لفهم واقع الأزمة السورية في الوضع الراهن يجب التمييز بين معضلتين رئيسيتين في سوريا المعضلة الاولى تكمن في المجموعات المسلحة التي تحارب الدولة السورية والتي لم تصنف على أنها مجموعات إرهابية بل هي جماعات متمردة بالسلاح تختلف مرجعياتها الأقليمية وتمتلـك منصات خارجية تؤمن لها الغطاء السياسي وهــذه المعضلة أصبحت في نهايتها مع مبـادرة خفض التصعيد والتوتر وفصـل المجموعات المعتــدلــة عن الإرهابية والتقارب السعودي مع روسيا وتنازل معظم الدول الداعمة للإرهاب عن فكرة إسقاط الدولة والسلطة في سوريا.
أما المعضلة الثانية فتكمن أولاً في محاربة الإرهاب والتنظيمات الإرهابية العابرة للقارات كالقاعدة متمثلة بالنصرة وتنظيم داعش الذي يملك أجندة خاصة به يسعى إلى تعميمها على كافة الدول المتاحة وقد ساعد الجيش الروسي والقوات الحليفة للدولة السورية في الحد من نشاط هذه التنظيمات والاقتراب من القضاء عليها نهائياً على المجال الجغرافي الحيوي ما يمكننا من القول أن التواجد الإرهابي في سوريا أصبح في لحظاته الأخيرة.
• هل سيخلق استفتاء انفصال الاكراد في العراق نزعة انفصالية لدى اكراد سوريا ؟
النزعات القومية في المنطقة والتي تتمثل في نزعة الاكراد نحو الاستقلال وهي الجزء الثاني من المعضلة الثانية التي لاتزال خارجة عن سياق الحل والتي لاتزال الظروف الميدانية والسياسية تدفع بها نحو أوج التوترات والمواجهة، فالمشروع الكردي في سوريا هو مشروع قائم منذ اللحظة الاولى للتدخل المباشر للقوات الأمريكية بشكل غير شرعي في المنطقة الشمالية الشرقية في سوريا وبناء قواعد عسكرية بوضع غير قانوني على الأراضي السورية وتقديم الدعم اللامتناهي لقوات سوريا الديمقراطية والتي يشكل الأكراد العمود الفقري لها، تحت غطاء محاربة داعش في المنطقة والتي سعت من خلالها واشنطن إلى اعتماد نهر الفرات الحاجز الجغرافي الطبيعي الفاصل بين مايسمى ‹›روج آفا›› وقوات الجيش العربي السوري وهو مايرقى في السياسة إلى رسم حدود سياسية طبيعية ثابتة تمهد لتقسيم دائم، ولكن نجاح الجيش السوري في تحرير دير الزور وعبور نهر الفرات أبطل جزءً مهماً في هذا المشروع وحرم واشــنطن من تشكيل حاجز جغرافي يفصل بين دول حلف المقاومة من إيران إلى لبنان، ونتيجة لهذا العبور تحركــــت القوات المدعومة أمريكياً للحد تقدم الجيش السوري وهو ماينذر باشتعال مواجهة وحرب بين الطرفين خاصة بعد الهيجان القومي الذي أصاب أكراد العراق بالدعوة غير العقلانية للانفصال وإجراء الاستفتاء والتمهيد لانتخابات رئاسية في الأقليم، لذلك باعتقادنا في حال استمرار هذه الظروف وهذه النزعة والمطالبة الكردية بالانفصال في سورية ستكون الحرب الكردية السورية هي حرب عام 2018 خاصة أن الجيش السوري حينها سيكون قد أنهى حربه مع المجموعات المسلحة وقضى على الإرهابية منها مما يجعله في أتم الجهوزية لسحق أي محاولة إنفصالية بسرعة خيالية.