مقابلة خاصة مع موقع وطني برس الإخباري
محلل سياسي سوري: مثلث الموت مآله التفكك والفشل وجبهة الجنوب موؤدة قبل أن تبصر النور
قال المحلل والباحث السياسي السوري صلاح النشواتي حول الهدنة الروسية الجديدة في حلب أن ماحصل في حلب من قبل الطرف الروسي هو بمثابة وقف إطلاق نار أحادي الجانب بإعلان روسيا تعليق ضربات القوات الروسية والسورية على مواقع المسلحين في حلب أكثر من كونها هدنة تتعلق بطرفين متفقين على وقف إطلاق النار وهي مبادرة تستثمرها روسيا لهدفين مزدوجين حيث يتعلق الهدف الأول
في محاولة فصل الإرهابيين عن المعارضة المسلحة وبالأخص هنا إرهابيي جبهة النصرة وذلك لمحاولة تخفيف حدة المعارك والوصول إلى مكاسب بزمن قياسي وقطع الطريق امام كل من تركيا التي تتوجه إلى الباب لتدعم المسلحين في حلب وأمام وفد الرياض الذي يعتبر نفسه الممثل الوحيد للمعارضة في كسب ورقة قوة في المفاوضات في جنيف بالتالي تجريده منها وفرض مشاركة وفود اخرى وإلغاء الاحتكار السياسي لصالح وفد الرياض وأطماعه بالسلطة أما الهدف الثاني فهو تعرية قدرة الإدارة الامريكية في الفصل بين الجماعات الإرهابية ومن تسميهم معارضة معتدلة إضافة إلى إبداء حسن النية أمام المجتمع الدولي وتفريغ المحتوى للذرائع الإنسانية التي توضع على عاتق القيادة الروسية، وخاصة في ظل وجود محاولات للتصويت بالجمعية العمومية للأمم المتحدة بقرار ضد سورية وروسيا تحت خيار (377A) بإجماع ثلثي الأعضاء علاوة على محاولة تسريع الوصول إلى اتفاق أمريكي روسي أو إعادة إحياء اتفاق 9/9/2016 وتحويله إلى قرار لمجلس الأمن ليكون ملزماً للإدارة الأمريكية المقبلة أمام خيار تصفير التفاهمات وفتح الخيارات التي تمارسها إدارة أوباما تمهيداً للإدارة المقبلة وشيطنة روسيا (الروسوفوبيا) لدعم مرشحة الحزب الديمقراطي ولتقوية دور وكالات الأمن القومي الأمريكي والبنتاغون والعودة إلى سباق التسلح النووي ودعم الميزانية العسكرية خاصة بعد فضيحة الديون الأمريكية.
وتابع النشواتي أما من ناحية فشل المبادرة الروسية من نجاحها فأعتقد أن روسيا بمجرد إعلان هذه الهدنة أحادية الجانب تكون قد حققت الكثير من الأهداف المرجوة وفي ظل طبيعة وضع وتركيبة المجموعات المسلحة ستواجه روسيا إشكالية تحديد من هم من النصرة ومن هم معتدلين خاصة أن تركيبة المجموعات المسلحة تمتاز بميوعة بينية تجمعهم بمعنى يتحول جميع العناصر إلى معتدلون عند الحديث عن الفصل، وعند القيام بعمل إرهابي جديد تتصدر النصرة العناوين بهذا الإنجاز وكأن لاوجود لأي فصيل آخر، وهذا ما نلاحظة منذ طرح مبادرة ديسمتورا في الفصل بين المعارضة والنصرة، حيث انخفض العدد المزعوم لعناصر النصرة من 9000 إلى 900 في حوالي 10 أيام فقط.
وفي حال قبلت النصرة الخروج من المدينة، وأغلب الظن أنها ستماطل قدر الأمكان ريثما تستطيع القوات التركية الوصول إلى مدينة الباب فستتوجه بالدرجة الأولى ضمن هذا السيناريو إلى الباب تحت أسماء أخرى لتحاول الحصول على أكبر قدر ممكن من الدعم التركي والعودة لفتح جبهة حلب وفي السيناريو الآخر هو التوجه إلى إدلب والتي تعتبر الإمارة الإسلامية الشرعية للنصرة لإعادة ترتيب صفوفها ومحاولة فتح جبهات جديدة والضغط نحو التزود بأسلحة نوعية من قبل تركيا لتحصين أماكن تواجدها وفرضها كأمر واقع لتكسب تركيا من خلال الاستثمار بوجود النصرة ومناعتها ضد أي هجوم تنازلات على طاولة المفاوضات السورية فور بدئها.
وفي مطلع رده على ترحيل المسلحين إلى أدلب رد النشواتي أما من جانب وضع محافظة إدلب وترحيل كل المسلحين إليها هي خطوة ذكية واحترافية يشهد للقيادة السورية بها بحيث تحاول إغلاق أكبر عدد ممكن من الجبهات وحصر القتال على جبهة واحدة إضافة إلى تحويل الحرب من حرب عصابات وحرب شوارع إلى حرب جيش مقابل جيش وهو مايعطي أمتيازات كبيرة لتفوق السلاح النوعي السوري والروسي بحيث يسهل استهدافهم بالصواريخ والطائرات على عكس مايمكن في حال كانو مجموعات صغيرة متفرقة على كامل الجغرافية السورية إضافة إلى أنها تتيح للقيادة السورية العمل بمسارين متوازيين (مكافحة الإرهاب-وإعادة الإعمار) وهو مايمكن أن يعزز من الاقتصاد السوري والعودة إلى مسارات التنمية مما يعيد لسوريا أهميتها السياسية والجيوسياسية على خلاف انتشار الإرهاب في كل بقاع الجغرافية السورية وخاصة أن الدول المجاورة وحركة التجارة والنقل الدولية بدأت تحاول التأقلم مع إخراج سورية خارج المعدلات الدولية الجيوسياسية نتيجة انتشار الإرهاب فيها على كل مساحاتها وهو مايؤدي إلى فقدان تدريجي للأهمية الجيوسياسية والجيواقتصادية لسورية، وفي نفس الوقت يصبح من الممكن الإنطلاق بعملية سياسية بعيدا عن الجماعات الإرهابية والبدء بالمسار السياسي بالتزامن مع محاربة الإرهاب ومنح القدرة للقيادة السورية لتصفية حساباتها السياسية مع الدول الأقليمية الضليعة بالحرب على سورية.
وأردف النشواتي قائلأً بالنسبة لباقي البقع الجغرافية الملتهبة في سورية فبالإمكان توزيعها إلى ثلاث مناطق رئيسية أولها حلب وحماة وأدلب التي تحدثنا عنها أعلاه، وثانيها ما سمي مثلث الموت بين دمشق ودرعا والقنيطرة، فوضع الجماعات المسلحة في ريف دمشق يخضع لتأثير نظرية الدومينو حيث شكل سقوط المسلحين في داريا في الغوطة الغربية بداية سقوطهم في كثير من المناطق الأخرى ليس آخرها الهامة وقدسيا في 17/10/2016 وهو مايمهد لفكفكة الوجود الإرهابي في هذا المثلث وإعلان نهايته إضافة إلى تقدم الجيش بالعديد من المحاور في درعا وتصدي القوات السورية في القنيطرة لمحاولة الإرهابيين في إقامة شريط حدودي عازل مع إسرائيل وهو المشروع التي تشرف إسرائيل عليه بنفسها ولكن مع إطلاق الصواريخ ضد الطائرتين الإسرائيليتين وإسقاطهما على حسب الرواية السورية فأصبحت إسرائيل أكثر حذراً في القيام بمثل هكذا مغامرة وخاصة أنه سيتم الدفع بها إلى وسط الفوضى بالمنطقة بحيث لا يستطيع كيان مثل العدو الإسرائيلي من الناحية البنوية تحمل تبعات مثل هكذا انخارط أو زج في الفوضى، وعلاوة على ذلك نشر منظومة S-300 والتي تمثل قبة حديدة للسماء السورية وتطال شمال إسرائيل أصابها بالهلع وسارعت إلى محاولة تجديد البروتوكولات المتعلقة بالطيران مع روسيا، خاصة أنه من المؤكد أن قرار إسقاط الطائرتين الإسرائيليتين كان بالتشاور بين القيادتين الروسية والسورية وهو مايمكن استشفافه من خلال تأخر البيان العسكري بحوالي 9 ساعات بعد عملية الإسقاط وهو مايتضمن أيضاً موافقة روسية على هذه العملية كرد لمحاولة نتنياهو إفشال الجهود الروسية في حل القضية الفلسطينية والتي كان من المزعم عقد مفاوضات بين نتنياهو وعباس في موكسو على حساب الجهود الفرنسية والدعم العسكري الأمريكي بأكبر صفقة مساعدات عسكرية في تاريخ العلاقات الثنائية الإسرائيلي-الأمريكية، مما يدفعنا إلى الاستنتاج أن مثلث الموت مآله التفكك والفشل وجبهة الجنوب موؤودة قبل أن تبصر النور وليس آخرها معركة مايسمى (عاصفة الجنوب) التي أجهضت تماماً، وبالأخص مع اتباع الجيش السوري والقوات الرديفة لتكتيك الجيوب النارية والدفاع المتحرك بحيث تتراجع القوات السورية قليلاً لتتقدم المجموعات المسلحة ثم يعاد حصارهم ويقضى عليهم.
وحول الموصل والاتصال الجغرافي العراقي السوري قال أما البقعة الجغرافية الثالثة والتي لاتقل أهمية عن باقي المناطق في سورية من حيث انها تساهم بنسبة كبيرة في سلة الاقتصاد السوري وتعتبر دعامته الأساسية من حيث الزراعة والنفط فتحاول الولايات المتحدة الأمريكية من خلال تواجدها غير الشرعي في المنطقة الشرقية إلى ضرب أي دعامة اقتصادية مهمة تمكن الدولة السورية من النهوض من تبعات الحرب وترسيخ مبدأ مناطق النفوذ ونظراً للاتصال الجغرافي بين المنطقة الشرقية والعراق وبالأخص محافظة نينوى تحاول الولايات المتحدة الأمريكية من خلال معركة الموصل إلى الدفع بتنظيم داعش للانتقال من القسم العراقي إلى القسم السوري في المنطقة الشرقية وإيجاد مكان قادر على استيعاب أعداد داعش وقياداتها والتي شكلت دير الزور المكان المغري لتنفيذ المشروع الأمريكي ومن هنا جاءت الغارة الجوية على مواقع الجيش في الثردة في دير الزور بالتزامن مع هجوم قوات داعش على ذات الموقع لتفريغها من التواجد الحكومي السوري وتحويلها إلى مآل لداعش المنسحب من الموصل عقب إطلاق عملية تحرير الموصول التي تلت إعلان انسحاب داعش من المدينة وتجاهل قوات التحالف لإرتال داعش المتوجهة إلى سورية، والمصلحة الأمريكية من هذا المشروع تكمن في شرعنة وجودها في الداخل السوري بذريعة مكافحة الإرهاب ودفع المنطقة نحو الاستقرار القلق وليس الكلي، لتكون هي مرجعية هذه الصراعات ولتستمر في سياسة إدارة الصراع والفوضى، إضافة إلى أنه يجمل من صورتها أمام المجتمع الدولي في ملفات محاربة الإرهاب بعد تحرير الموصل خاصة في ظل اقتراب الحسم في حلب بالتزامن مع التقدم التركي وحسم معركة مرج دابق والتي تحمل أهمية معنوية ورمزية روحية للتنظيم، بالتالي تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية الاستثمار في معركة الموصل للحاق بركب الانجازات أمام المجتمع الدولي.