المقالات

خفايا اتفاق الجنوب السوري في هامبورغ … ودور إسرائيل وداعش الجزء الثاني

صلاح النشواتي-حوض اليرموك في جنوب غرب سورية…الذهب المطلي باللون الأسود…

ذكرنا في الجزء الأول من المقال طبيعة الأهداف الاستراتيجية (بعيدة المدى) الأمريكية في سورية وأن من أهمها هو ضرب الأمن المائي السوري، بوصفه أحد أهم مقومات بقاء الدول بعد الربع الأول من القرن الحالي، والذي يسعى الكيان الصهيوني لتأمينه وذلك عن طريق سرقة المياه واحتلال الأراضي.
ووضحنا أيضاً علاقة الأمن المائي بالأمن الغذائي والطاقوي (الكهرومائي)، وطبيعة الاستهداف الأمريكي لهذه المناطق في سورية والأدوات المستخدمة، والذي سيؤدي إلى إنهاء دور الدولة السورية مستقبلاً، وإخراجها من دائرة التهديد للأمن القومي الإسرائيلي، والتوقف القسري عن دعم حركات التحرر والمقاومة، واكتفائها بالغرق في أزماتها المعيشية والسياسية والعسكرية المتلاحقة بعد تطعيم السلطة بشخصيات معارضة تحمل أجندة غربية، وتحويلها إلى دولة فاشلة دون إسقاط الحكم.

توزع مناطق المياه في الجمهورية العربية السورية:

1. منطقة حوض الفرات ودجلة والخابور:
والتي تشكل 62.5% من المياه العذبة والأراضي الزراعية في سورية هي حالياً تحت التواجد الأمريكي غير الشرعي المباشر، حيث تقوم واشنطن بعملية زراعة كيان كردي بأسلوب مشابه تماماً لعملية الزراعة البريطانية لإسرائيل في فلسطين، ولكن قد تختلف المسميات كالفدرلة، والتي تعد أول الطريق للانفصال كما هو حال إقليم كردستان العراق في الفترة الراهنة، والذي يعمل على تنظيم استفتاء للانفصال عن العراق في نهاية هذا العام.
2. محافظة إدلب:
والتي تحتوي على حوالي نصف المياه العذبة من نهر العاصي والتي تشكل فعلياً 12.5% إضافية من المياه العذبة بالنسبة لكامل الجمهورية العربية السورية، إضافة إلى غناها بالأراضي الصالحة للزراعة، وهي حالياً تحت سيطرة النصرة وفصائل مدعومة من قبل تركيا، إضافة إلى الحشد التركي لاحتلال المدينة بذريعة محاربة تنظيم القاعدة والنصرة التي طردت القوات التابعة لها من مركز المدينة.
3. حوض اليرموك في جنوب غرب سورية:
مع أن حوض اليرموك يشكل نسبة قليلة من المياه العذبة في سورية أمام باقي المناطق حيث لا تتعدى النسبة 13% من وارد كامل الجمهورية، ولكن هو الرافد الرئيسي لكل المنطقة الجنوبية وما فيها من زراعة ومشاريع ري وسدود، والتي تشكل أحد أهم السلل الغذائية لسورية، يقع مركزها حالياً تحت سيطرة جيش خالد ابن الوليد التابع لداعش والذي تحيط به الفصائل المدعومة من واشنطن وتل أبيب.

• اللون الأسود في أقصى الجنوب الغربي من سوري هو منطقة سيطرة داعش وهي مركز حوض اليرموك وفيه يقع سد المقارن (سد الوحدة).
• اللون الأخضر هو الفصائل المدعومة من قبل إسرائيل وأمريكا.
بالتالي نتحدث عن خروج حوالي 87% من الموارد المائية لسورية وما فيها من أراضي زراعية ومشاريع كهرومائية خارج سيطرة الدولة بشكل دائم، ولا يبقى سوى الصحاري والسبخات المائية المالحة وبعض المياه العذبة والمناطق الزراعية التي تحتاج إلى الكثير من إعادة التأهيل بفعل المعارك الجارية.

الأطماع الإسرائيلية في جنوب غرب سورية (حوض اليرموك تحديداً):
إن الأطماع الإسرائيلية في مياه اليرموك ليست جديدة وإنما تمتد جذورها إلى عشرات السنين خلت، فمنذ‘ أن قررّ حكام بني صهيون إقامة دولة إسرائيل ورسم حدودها السياسية من النيل إلى الفرات وضعوا في حسابهم أهمية المياه ودوره في الصراع مع العرب.
فلقد صرح ((دافيد بن غوريون)) عام 1955 “أن اليهود يخوضون مع العرب معركة المياه وعلى نتيجة هذه المعركة يتوقف مصير إسرائيل، فإذا لم تنجح في هذه المعركة فإننا لن نبقى في فلسطين”.
وقد تجلى هذا الصراع عبر عدة مشاريع ودراسات تحقق أهدافهم على امتداد فترة تاريخية منذ 1926 إلى يومنا الحالي بلغ عددها حوالي سبعة مشاريع وحتى أيضاً تنفيذ اعتداءات إسرائيلية مباشرة على منطقة حوض اليرموك، وذلك عام 1964 عشية مؤتمر القمة العربي الأول حيث قررّ المجتمعون تنفيذ بعض المشاريع المائية في سوريا ولبنان والأردن بغية استثمار مياه الأردن والليطاني واليرموك، وخلصوا إلى إقامة سد على نهر اليرموك في موقع الخيبة لتخزين 200 مليون متر مكعب من المياه  وشق قناة عبر الأراضي السورية من خلال وادي الرقاد لتصب في نهر اليرموك وعند المباشرة بالمشروع قامت إسرائيل بقصف المنشآت حيثُ سجلت الاعتداءات  التالية:
1. قامت إسرائيل بمهاجمة الحدود السورية في 17و18 /2/ 1964.
2. حشدت إسرائيل قواتها على الجبهة السورية وشنت عدة اعتداء في 7/3/1964.
3. هاجمت إسرائيل مواقع العمل في المشروع بتاريخ 13/5/1964
4. شنت إسرائيل 14 هجوماً على الحدود السورية في 17/7 /1964 وكذلك في 10و12/11/1964
5. استخدمت إسرائيل في قصفها منشآت وورشات العمل قنابل النابال في 13/11/1964
6. هاجمت إسرائيل مناطق التحويل في سوريا والأردن بتاريخ 6 ,15 ,17 ,18 ,22 /5/1965
وتأخر بناء سد الوحدة أو ما يعرف بسد المقارن إلى عام 2004 ووصلت قدرته التخزينية إلى 115 مليون متر مكعب، وهو ما يضعه اليوم الكيان الاسرائيلي نصب عينيه مجدداً.
الأهمية الاستراتيجية لنهر اليرموك:
يعتبر نهر اليرموك ذو أهمية كبيرة لأنه يرفد نهر الأردن بكمية كبيرة من المياه تقدر بحدود 475 مليون متر مكعب وهي تشكل 38% من مياه نهر الأردن ، هذا إضافة إلى أن متوسط الملوحة في مياه النهر  تقدر بحدود 88 جزء بالمليون، بينما تبلغ متوسط الملوحة في مياه بحيرة طبريا بحدود 300 جزء بالمليون.
وهذا يعني ارتفاع الملوحة في نهر الأردن بعد تغذيته من مياه بحيرة طبريا وفي حال إعاقة وصول مياه نهر اليرموك إلى نهر الأردن ( مثلاً بإنشاء سد الوحدة القائم حالياً) فان نسبة الملوحة سوف ترتفع في مياه نهر الأردن، مما يقلل من أهمية المياه للاستخدامات الزراعية، هذا إضافة الى الإضرار المحتملة لإصابة التربة بالتملح وبالتالي خروجها عن الاستثمار الزراعي.
إضافة إلى إنشاء سورية مؤخراً بعض السدود الترابية والتحويلية بغرض الاستفادة منها في تخزين المياه وتوسيع الأراضي الزراعية في جنوب سوريا قرب منطقة درعا وقراها بمساحة قدرها 75000 دونم وبشبكه مياه قدرها 190 كم، هذا إضافة الى تخفيض التدفق من 450 مليون متر مكعب الى 225 مليون متر مكعب .
وبما أن أهم عوامل بقاء الدولة في القرن 21 هو الأمن المائي والأمن الطاقوي فهذا يعني أن اسرائيل ستحاول تأمين هذه المنطقة في الأراضي السورية والسيطرة عليها تحت أي ثمن كان وبمساعدة أمريكية وبريطانية وفرنسية وأردنية وربطها بالمشاريع الأخرى منها مشروع قناة البحرين المشترك مع الأردن والقائم على فكرة وصل البحر الأحمر بالبحر الميت، لتستخدم القناة بين البحرين لتوليد الطاقة الكهرمائية التي قد تستخدم لتشغيل منشآت تحلية المياه مما يزيد في كمية المياه المتوفرة للشرب والزراعة، والذي ربما يعاود إحياء فكرة شق قناة بديلة عن قناة السويس بعد تسليم جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية وتحول الممر البحري إلى ممر دولي يخضع لحرية الملاحة البحرية، مما يزيد الأهمية الجيوسياسي لموقع الكيان الاسرائيلي على حساب الدول العربية المحيطة به.

بالتالي تنعم إسرائيل بوفرة الماء والزراعة والطاقة وتأمن احتياجاتها المستقبلية بعيدة المدى وعوامل بقائها بينما تموت الشعوب والدول المجاورة جوعاً وعطشاً وتهدد دولهم بالانقراض نتيجة العوامل الطبيعية والاضطراب الداخلي.
ومن هنا نسأل حول طبيعة وشكل الآليات التنفيذية التي ستعتمد عليها واشنطن في تحقيق مخططها المشترك مع الكيان الصهيوني في الجنوب السوري؟
وهل الهدنة المتفق عليها في هامبورغ تخدم هذا المشروع أم تعطله؟
هذه الأسئلة ستكون محور الجزء الثالث والأخير…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى