مقابلات صحفية

خبير دولي لوكالة سبوتنك: فنزويلا كلمة السر التي يمكنها أن تعيد لم الشمل الأوروبي الأمريكي

أجرى الحوار: نواف إبراهيم

حولت الولايات المتحدة الأمريكية منذ فترة وجيزة وبشكل مفاجىء أنظار العالم كله إلى أمريكا اللاتينية حيث أشعلت في فنزويلا نار الخلافات الداخلية التي سبق وخططت لها بدقة، وكالعادة من أجل التدخل في شؤون البلاد ومصير الشعب وتغيير نظامها السياسي.

في ظل هذه التطورات التصعيدية وتمايز المواقف الدولية تجاهها كان لا بد من تقديم قراءة دقيقة للإستراتيجيات الدولية الناشئة بخصوص التعامل مع الأزمة الفنزويلية المفتعلة أمريكيا.

حول هذا الملف وضمن حوار خاص  لبرنامج “ماوراء الحدث” قدم الباحث السياسي والخبير في الإستراتيجيات الدولية قراءة في الإستراتيجية الدولية المتعلقة بالأوضاع المستجدة في فنزويلا.

نص الحوار:

سبوتنيك: هل تحولت فنزويلا إلى ساحة صراع جديدة، وما الذي يخفيه في حقيقة الأمر الغضب الأمريكي المفاجىء على كاراكاس ؟

النشواتي: ثلاث إجراءات قام بها الرئيس مادورو شكلت السبب الرئيسي في فتح واشنطن جبهة الحرب على الرئيس مادورو والعمل بكل السبل والوسائل لإسقاطه، الإجراء الأول هو سعي الرئيس مادورو لجمع الذهب الفنزويلي من جميع البنوك إلى البنك المركزي في فنزويلا، أما الإجراء الثاني هو طرح الرئيس مادورو لفكرة بيع النفط مقابل الذهب، الإجراء الثالث هو محاولته لإنشاء عملة ألكترونية مشفرة للتجارة شبيهة بالبيتكوين.

هذه الإجراءات الثلاثة شكلت محاولة لتوجيه ضربة للبنية التحتية للنظام الدولي، وأيضاً تعتبر خطراً شديداً على معادلة البترودولار الذهبية التي يتحكم بها البنك الاحتياطي الفدرالي، بالتالي كانت هذه الإجراءات الثلاث لمادورو كالضربة على رؤوس الذئاب بعصا من كرتون، حيث حولت أنظار إدارة ترامب بالإضافة للبنك الاحتياطي الفدرالي الأمريكي نحو كاراكاس وسياساتها، وحولت كاركاس إلى هدف أساسي بالنسبة لأمريكا ككل.

وقد أدرك الرئيس مادورو خطورة ماقام به متأخراً، وحاول التعامل معه بمرونة وفتح باب أمام إعادة التفاوض مع أمريكا من خلال الموافقة على بيع الذهب للإمارات والتخلي عن جمعه كخطوة إعلان حسن نية في إعادة التفاوض ولكن دون جدوى، وقد علم تماماً مسار مثل هكذا مواجهة في حال بقي وحيداً حيث تحدث صراحة في مونتيفيديو أن واشنطن تحاول جعل مصير فنزويلا من مصير ليبيا والتي قام زعيمها السابق باتباع نفس الخطوات تماماً وفتح على نفسه ذات المواجهة.

سبوتنيك: في ظل التطورات الحاصلة كيف نفسر إستهداف كاراكاس بهذا الأسلوب، وما هي غاية وعلاقة البنك الإحتياطي الفدرالي بكل ما يجري؟

النشواتي: بمجرد أن أصبحت الأنظار الأمريكية على فنزويلا، تحولت فنزويلا بكل مكوناتها وثرواتها إلى دولة تحت المجهر الأمريكي، حيث يريد ترامب خفض أسعار النفط من خلال زيادة المعروض في السوق، ولكن من دون أن يضغط على السعودية بشكل كبير بسبب ملفات أخرى، وفي ذات الوقت يريد البنك الإحتياطي الفدرالي دعم الحراك ضد مادورو وتدمير نظامه كلياً، عن طريق فرض عقوبات قاسية جداً على صادرات النفط الفنزويلي والتي تشكل 95% من واردات البلاد. حاجة ترامب لخفض أسعار النفط ورغبة الإحتياطي الفدرالي في تقييد الصادرات النفطية لفنزويلا ،بالتالي نقص في المعروض وزيادة السعر- هدفين غير متطابقين لطرفين يتشاركان غاية نهائية واحدة وهي السيطرة على فنزويلا بالكامل وتطمين قلقهم من سياسات مادورو بشكل نهائي.

لكن مع تدخل الكونغرس الأمريكي ولعبه دور الوسيط لإزالة التناقض، أصبح تضييق الخناق والعمل على إسقاط مادورو أمراً ممكناً وبسهولة، وذلك بالتفاهم بين أصحاب البنك الإحتياطي الفدرالي وترامب على إجراءات سريعة لإسقاط مادورو دون الإضطرار لفرض عقوبات لوقت طويل على صادرات النفط، وبمقابل تخفيض الفائدة التي يفرضها البنك الإحتياطي الفدرالي لمواجهة التضخم، وتعويض الفائدة بزيادة عدد الدولارات مقابل برميل النفط الواحد، أي إرتفاع أسعار النفط فوق القيمة الحقيقية، هذا بإختصار بعيداً عن التعقيد الذي يحتاج إلى شرح مفصل ومطول في بنية وتركيبة معادلة البترودولار.

هذا الأمر لاقى سروراً كبيراً لدى ترامب الذي عبر عن إنزعاجه الشديد من إرتفاع أسعار الفائدة في أكثر من موضع وأكثر من تصريح، ليتدخل الكونغرس بخطوة إحترازية متفق عليها في حال طال أمد الصراع وذلك بطرح مشروع قانون يعتبر إجراءات أوبك هي إجراءات إحتكارية للنفط ويجرمها، بالتالي الضغط على حلفاء أمريكا في الخليج بشكل غير مباشر وضمان التوازن المتفق عليه سلفاً قبل الشروع في مخطط الإستيلاء على فينزويلا.

ومن جهة أخرى فإن ترامب يرغب في وضع يده على أكبر إحتياطي نفط على وجه الكوكب والتحكم بالضخ والإنتاج مستقبلاً بالتالي تصبح أمريكا المتحكم الأساسي وبشكل مباشر بأسعار النفط في السوق وتضمن حصتها وإكتفائها من القارة المجاورة عوضاً عن الخوف والقلق الدائم على المصدر الأساسي في الخليج، وهو ما يتيح بدوره قوة ضغط أكبر لصالح أمريكا ضد دول الخليج في الشرق الأوسط.

سبوتنيك: ما سر التطابق المتسارع للتوافق الأوروبي الأمريكي من كاراكاس رغم المشاكل الخلافية الكبيرة المستجدة بين الطرفين؟

ينطلق التطابق بين الموقف الأوروبي والموقف الأمريكي من الرئيس مادورو في فينزويلا من مبدأ تحويل هذه الدولة لمرهم طبي يعالج الجروح الناشئة بين الطرفين، تمثلت بظهور العديد من الإختلافات في الأمن القومي بين بين كل من الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية وهو مايقود بالضرورة إلى خلاف في المصلحة القومية، وذلك جرّاء العديد من الملفات الحساسة منها معاهدة الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى، وصولاً إلى مشاريع الغاز الروسية الأوروبية أهمها مشروع السيل الشمالي-2، والذي ما إنفك ترامب يضغط ويطالب الدول الأوروبية بالتنازل عن إكمال هذا المشروع لما له دور في منح روسيا إمتياز جديد في القارة الأوروبية التي تشكل مرساة الوجود الأمريكي في دول العالم القديم، وكل هذا الضغط المطبق من قبل ترامب هو ضغط بدون أي حلول مقدمة، بالتالي لم يؤدي إلا إلى زيادة الشرخ في مفهوم الأمن والمصالح بين الطرفين، إلى حين وضع فنزويلا تحت المجهر!!

فنزويلا هي كلمة السر التي من الممكن أن تعيد لم الشمل الأوروبي الأمريكي بتوافقه التام، وهي الحل في وجه النفوذ الروسي في أوروبا الغربية، حيث وافقت أوروبا على خطط واشنطن في إسقاط مادورو بمقابل أن يكون الغاز الفنزولي بإحتياطه الضخم رافداً للسوق الأوروبية وبأسعار رخيصة بعد زيادة المعروض التي يسعى لها ترامب عالمياً، ما يعني أن أوروبا ليست بحاجة بعد الآن إلى الإعتماد على الغاز الروسي بشكل كامل بما يهدد التعريف المشترك لكل من الأمن والمصالح بين بروكسل وواشنطن، وإنما باستطاعة أوروبا تحويل إستهلاكها للغاز من روسيا من سلاح ضغط على بروكسل إلى سلاح ضغط بيدها على الإقتصاد الروسي، وذلك من خلال تأمين البدائل من دول كفينزويلا وغيرها، ومن جهة أخرى تخفيف الضغط الأمريكي على مشروع السيل الشمالي2.

سبوتنيك: ماهي أسباب رفض كل من اليونان وإيطاليا الإجراءات الأوروبية ضد كاراكاس بعد أن دعموها؟

النشواتي: بكل بساطة السبب المباشر لرفض كل من إيطاليا واليونان هذا الموقف يتمثل في الخوف من خسارة الجدوى لمشاريع أنابيب الغاز المصرية الإسرائيلية مقابل وفرة المعروض من الغاز في حال دخل الغاز الفنزويلي إلى السوق الأوروبية، بالتالي هذه الإقتصاديات التي تعاني من التقشف الكبير والمتململة من فرض الميزانية من الاتحاد الأوروبي وفرض نسب العجز والتقيد بها، ترى في هذه اللعبة الأمريكية خطراً على وارداتها المستقبلية من المشاريع الطاقوية، أما السبب غير المباشر فهي في رغبتها إلى تحقيق المزيد من الإستقلالية الأوروبي عن أمريكا ودعم الإجراءات والمصالح المشتركة التي من الممكن أن تتطور مع روسيا في المستقبل المنظور، على عكس العلاقة مع واشنطن التي لاتجلب إلا الإملاءات والتقشف.

النشواتي: دعم روسيا للرئيس مادورو ينطلق بالدرجة الأولى من إدراك موسكو أن عملية التحول في النظام الدولي نحو التعددية القطبية تحتاج للإجراءات التي قام بها مادرور من ناحية النوع والجرأة، وهي تحاول أيضأ التأثير على معادلة البيترودولار وبناء هيكلية إقتصادية عالمية جديدة مختلفة عن الحالية الوحيدة التي تتحكم فيها الولايات المتحدة الأمريكية، بالتالي عم بحاجة إلى كل دولة ممكن أن تنضم لهذه الشبكة الجديدة التي تعمل روسيا على إنشائها وتمتين الروابط فيما بينها، أي أن الإستراتيجية الروسية وسياسيات مادورو تصب في النهاية في ذات المطاف، هذا ماجعل من مادورو نظاماً يستحق الدفاع عنه بالنسبة لموسكو، وفرصة أيضاً لتعطيل أي نوايا أمريكية في فنزويلا.

أجرى الحوار: نواف إبراهيم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى