حوار مع موقع وطني برس حول المشروع الأمريكي لإقامة مناطق آمنة في سورية
صلاح النشواتي: مكافحة الإرهاب تتسم بالتعقيد، والمناطق الآمنة حلم أمريكي لن يتحقق
- الرئيس الأسد خلال مقابلة مع موقع أمريكي اليوم قال أن سورية ترحب بأي جهد أمريكي للقضاء على الإرهاب، وذلك خلال إجابته على سؤال حول طرح فكرة دخول جنود أمريكيين إلى سورية على غرار روسيا، هل من الممكن أن يحدث ذلك برايك؟
تصريح الرئيس الأسد حدد الأسس التي من الممكن أن تؤدي إلى التعاون في مجال مكافحة الإرهاب وذلك من خلال التنسيق مع الحكومة السورية ومن خلال إثبات مصداقية مزاعم الولايات المتحدة الأمريكية بإعلان موقف سياسي واضح وصريح والتوقف عن سياسة الكيل بمكيالين والتوقف عن دعم التنظيمات الإرهابية، وأيضاً حمل هذا التصريح رسائل استنباطية لإدارة ترامب
حول الموافقة السورية لإيجاد آلية روسية-امريكية مشتركة لمحاربة الإرهاب ودعم الحل السياسي، والتوقف عن التدخل في الشؤون الداخلية للدولة السورية، أما من ناحية إرسال أمريكا لجنود إلى سورية لمكافحة الإرهاب فلا نعتقد أنه خيار ممكن أن تقدم عليه إدارة ترامب خاصة أنها لاتمتلك إلى الآن استراتيجية واضحة لمكافحة الإرهاب وذلك بعد إلغاء ترامب للاستراتيجية السابقة لسلفه أوباما وعجز الإدارة الأمريكية الجديدة عن إيجاد استراتيجية جديدة فعالة حتى الآن وآخرها فشل عملية الإنزال العسكري الأمريكي في اليمن والذي أدى إلى مقتل جندي أمريكي وإصابة ثلاثة آخرين مع فشل تحقيق الهدف الرئيس منها، إضافة إلى أن وزير الدفاع الأمريكي “جيمس متيس” لن بخاطر بسمعته كرجل لم يخسر حرباً في حياته من خلال إطلاق أي استراتيجية هاوية لايمكن أن تحقق إنجازات شبيهة بالتي حققتها الاستراتيجية الروسية، خاصةً أن محاربة الإرهاب في سورية عملية تتسم بالتعقيد الشديد نتيجة تنوع الفصائل الموجودة على الأرض السورية واختلاف مرجعياتها الدولية، ومن هنا نعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية في حال صدق نواياها في محاربة الإرهاب فستكون حصراً عن إبجاد الآلية الروسية-الأمريكية المشتركة واتباع الاستراتيجية الروسية في مكافحة الإرهاب والتوافق السياسي دون المخاطرة بالفشل، وهو الأمر الذي مايزال مبكراً نوعا ما على انطلاقه نتيجة عدم وضوح الدور الأمريكي والمواقف الأمريكية من الملفات العالقة الأخرى بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية.
- عودة فكرة المناطق الآمنة إلى الطرح من قبل أمريكا ماذا يعني في هذا الوقت و هل من الممكن تنفيذها؟
فكرة إنشاء المناطق الآمنة هي ليست بفكرة جديدة حتى لدى ترامب حيث كان ينادي بها منذ الحملة الانتخابية وهي تحمل وجوه متعددة بدأت كنقد لسياسة أوباما وعجزه عن إيجاد حلول فعالة للأوضاع الإنسانية السيئة ولحركة الهجرية التاريخية، وتحولت فيما بعد إلى محاولة إيجاد ورقة استثمارية من خلال العلاقة مع روسيا للتنازل عنها في مقابل إعادة الدور الأمريكي في حل الأزمة السورية إلى سابق عهده خاصة بعد عقد مؤتمر الأستانة والذي كان بجهود روسية بعيداً عن الولايات المتحدة الأمريكية، أما من الناحية العملية فإنشاء مناطق آمنة يحمل الكثير من التكاليف بحيث يتعذر تحقيقها خاصة أنها تتطلب إقامة حظر جوي فوق هذه المناطق وبالتالي هذا الأمر شبه مستحيل دون المرور بموسكو والتنسق معها، إضافة إلى أن إقامة مناطق آمنة سيبدد الجهود في مكافحة الإرهاب وخصوصاً داعش والذي يتبنى استراتيجية تمييع مناطق القتال حيث يعتمد على القيام بالعديد من الهجمات وفتح الكثير من الجبهات لتخفيف ضغط القوات التي تسعى للقضاء عليه وليس آخرها في تدمر والتي دفعت بالأردن إلى الاستنفار وحضور اللقاء الثاني في الاستانة من أجل وقف إطلاق النار في الجبهة الجنوبية والمشاركة الفعالة في محاربة داعش، بالتالي وصل الإرهاب لمرحلة حرجة من الخطورة وتعدد الجبهات بحيث لايوجد متسع من الوقت لدى الدول التي تعتبر هدفاً طبيعياً له بأن تخضع هذه العملية للتجريب تحت احتمال الفشل، إضافة إلى أن ترامب تراجع عن الكثير من الوعود المهمة التي أطلقها ومنها إعادة اعترافه “بمبدأ الصين الموحدة” والذي كان يشكل نقضه أحد ركائز نواياه السياسية فور استلامه للرئاسة، فليس من البعيد تراجعه عن فكرة إنشاء مناطق آمنة في سورية.
- لافروف أعرب اليوم عن تفاؤل حذر لإيجاد حل عملي للأزمة السورية، هل يمكننا القول أن الحل اقترب على المستوى الدولي؟
ينطلق تفاؤل الوزير لافروف من وجود توافق أقليمي على إنهاء الصراع في سورية وتركيز الجهود على محاربة الإرهاب، و استشعار الدول الأقليمية بخطر التمدد الإرهابي وضرورة دفع المنطقة نحو الاستقرار كسبب رئيس أدى غيابه إلى ظهور الإرهاب، ونجاح مؤتمر الاستانة في ضم جهود هذه الدول ومنها مصر بالإضافة إلى الأردن التي شاركت في إيجاد آلية مشتركة لوقف إطلاق النار مع الدول الضامنة الثلاث في اجتماع الاستانة الثاني وتعهدها بتثبيت وقف إطلاق النار في الجبهة الجنوبية وإطلاق الجهود نحو محاربة تنظيم داعش إضافة إلى الاستقرار النسبي لنظام وقف إطلاق النار، ولكن الحذر الروسي يكمن في ضبابية الدور الأمريكي والخوف من أي تقلبات أمريكية قد تؤدي إلى تأخير الحل السياسي أو التأثير على مساره خاصة مع فشل الإدارة الأمريكية السابقة في الدفع الإيجابي لمسار الحل السياسي في سورية، أما القول أن هناك حل للأزمة السورية على المستوى الدولي فهو سابق لأوانه حيث إلى الآن لايجود خرق حقيقي في مسار التعاون الروسي-الأمريكي في سورية ولايمكن الحديث عن توافق دولي قبل إنشاء آلية روسية-أمريكية مشتركة لمحاربة الإرهاب ووضوح ماهية الدور التي تسعى الإدارة الأمريكية إلى استعادته فيما يخص الأزمة السورية، حيث أن الإدارة الحالية لازالت تدمج بين الملفات بحيث لايوجد فصل للملف السوري عن باقي الملفات العالقة بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، ولكن يمكننا الحديث عن توافق أقليمي أدى إلى تأطير الصراع في المنطقة وإدخاله بحالة ثبات نسبي قد يمنع التدهورات الخطيرة في الملف السوري ويؤسس إلى أرضية صالحة لإطلاق مسار الحل السياسي
- كيف يمكن للاتفاق الروسي التركي، و تحديدا العمليات المشتركة ضد الإرهابيين، أن ينعكس على الوضع الميداني في سورية و خصيصا في الشمال؟
حقيقة الأمر أن روسيا لاتعول كثيراً على الدور العسكري التركي في محاربة الإرهاب بقدر ماتعول على دور الجيش العربي السوري فالعمليات المشتركة الروسية-التركية أتت في سياق احتواء لتركيا حيث نلاحظ أن الطيران الروسي كان بديلاً للطيران التركي، بحيث تجبر تركيا على إعطاء الإحداثيات والمعلومات للأهداف المراد تدميرها إلى القوات الروسية تحت إطار التنسق وتتولى الأخيرة التنفيذ، بالتالي تقويض أي قدرة أو نية تركية على مهاجمة الجيش السوري أو الاشتباك معه نتيجة عدم قدرتها على التحكم في السماء داخل سورية وأنما يتولى الروسي ذلك، وفي المقارنة إلى التقدم الذي حققته عملية “درع الفرات” مع التقدم الذي حققه الجيش السوري -علماً أن الطرفين تحت تغطية جوية روسية- نجد أن الفشل كان مصير قوات الدرع الفرات بأكثر من مرة في عملية تحرير مدينة الباب وتكبدها خسائر كبيرة بينما كان التقدم للجيش السوري سريعاً بدرجة كبيرة تضع هيبة الجيش التركي أمام الرأي العام الدولي موضع الشك، ومن هنا تصبح العمليات التركية داخل الأراضي السورية أمام خيار وحيد وهو التنسيق مع الحكومة السورية وتفادي أي صدام مع الجيش السوري والذي من الممكن أن يغرق تركيا بمستنقع لا خروج منه داخل الأراضي السورية وتتحول عملية “درع الفرات” من عملية للدفاع عن الأمن القومي التركي إلى عملية وتهديد للأمن القومي واستنزاف للجيش التركي بشكل مباشر وعلى صعيد آخر أي تطور يشمل صدام مع الجيش السوري سيبعد تركيا تماماً عن المساعي الدولي لحل الأزمة السورية وستفقد دورها الأقليمي وثقة الدول الضامنة الأخرى في التعامل معها في مقابل الحضن الأمريكي التقليدي والذي إلى اليوم يشكل عامل مقلقاً لتركيا نتيجة عدم وضوح مآلات دعم الأكراد في سورية وتسليحهم.