حوار خاص مع وطني برس حول مناطق خفض التصعيد والتوتر
اعتبر الباحث والمحلل السياسي السوري صلاح النشواتي أن عوامل التقسيم في سورية مفقودة وجبهة النصرة ستكون في موقف حرج
- اتفاق وقف التصعيد برأيكم ، هل هو بداية للتقسيم أم حسم لارجعة فيه نحو الحل السياسي في سورية؟
لا يسعنا الحديث عن التقسيم إلا في حال وجود العديد من العوامل المفقودة فعلياً ضمن إطار مشروع تخفيض التصعيد والتوتر أهمها وأولها: هو الإرادة الحقيقية لدى طرفي النزاع بحيث تغيب بشكل مطلق أي إرادة للتقسيم أو أي رضى عن هكذا فكرة حيث أن موقف الحكومة السورية واضح بوحدة الأراضي السورية إضافة إلى موقف الفصائل المشاركة في استانا التي توجزت خيفة من شبح التقسيم وأعلنت رفضها للوهلة الأولى، أما العامل الثاني: هو وجود إرادة دولية للتقسيم في سورية -ونحن هنا نتحدث عن تقسيم بناءً على المناطق الأربعة المحددة في الخرائط- ومن المعلوم أن الإرادة الدولية لاتخضع للأهواء أو العواطف وإنما لمصالح الأطراف الضليعة في الملف السوري والوزن الدولي لكل طرف ومن هذه الناحية الجميع يؤكد إضافة إلى قرارات مجلس الأمن أن وحدة الأراضي السورية هي مرتكز أي حل سياسي إضافة إلى أن وجود سورية كدولة موحدة يسهل التعامل معها بما يخص مصالح الدول فيها ولكن بكل تأكيد بعد المحاولات الكبيرة التي سنشهدها مستقبلاً لتعديل بنية النظام السياسي وتحديد صلاحيات الحكومة المركزية نظراً للأطماع الجيوسياسية للعديد من الدول الكبرى في سورية.
أما العامل الثالث: فهي طبيعة هذه المناطق الأربعة وتوزعها الجغرافي بحيث يفرض مشروع التقسيم أن تصبح كل منطقة دولة على حدى وهذا أمر شبه مستحيل وعديم الجدوى بالنسبة للمناطق الأربعة انطلاقاً من العوامل الجغرافية وصولاً إلى العوامل الديموغرافية.
- ماهي المتغيرات من وجهة نظركم التي يجب أن تحدث في مناطق خفض التصعيد، وماهي انعكاساتها على الجبهات المحيطة سواء الداخلية أو الإقليمية؟
المتغير الرئيس يكمن في فصل الملف السوري عن باقي الملفات الملتهبة في المنطقة وهو متغير مهم يسرع من إنهاء الحرب السورية بوصفها جزءً من الأزمة وليس كليتها، بحيث ينهي الصراع الدولي سواءً بالوكالة أو بالمواجهة المباشرة على الأراضي السورية ويحيلها إلى ساحات وملفات أخرى.
أما المتغير الثاني يكمن في إحياء مسار الحل السياسي في جنيف وتوحيد جهود الأطراف المتنازعة لضرب الإرهاب العابر للقارات والذي جعل من سورية قاعدة انطلاق دولية له وهو أخطر ما يمكن أن يهدد الأمن الأقليمي والدولي والذي شكل بدوره أحد أهم عوامل التوافق حول إنهاء الحرب.
أما الانعكاس الذي سيحصل من خلال تطبيق هذا المشروع سيكون بالدرجة الأولى انحلال هيئة تحرير الشام التي تشكل النصرة عمودها الفقري وعودة الكثير من الفصائل باتجاه الحل السياسي والقضاء على تنظيم القاعدة في سورية كون المصالح الذاتية لهذه الفصائل ومصالح مشغليها أصبحت تقتضي ذلك وإلا فالخيار الآخر هو محاربة الجميع دفعة واحدة، وأيضاً وكنتيجة لهذا الاتفاق ستكون عملية الفصل بين ما هو إرهابي وماهو معتدل (حسب التصنيف الدولي) ماهي إلا مسألة إجرائية ستقوم بها الفصائل المسلحة ذاتياً أي أن انتهاء أهم وأخطر فرع لتنظيم القاعدة في سورية ليس إلا مسألة وقت.
ولكن الانعكاس الخطير الذي يجب أن يؤخذ بالحسبان هو العناصر الأجنبية في سورية والتي ستتجه نحو الاندماج بداعش كخيار الضرورة مما سيزيد من ضراوة المعارك ضد الإرهاب ويجعلها أكثر تدميراً ودموية وينشر العمليات الانتحارية بكثافة في أهم المدن السورية وحتى في دول الجوار.
- برأيكم هل منطقة الفرات تحديدا، هي الأشد تعقيدا وخطورة على مسألة تخفيض التصعيد، خاصة بما يتعلق بملفات الطاقة لأنها ممرا للخط وفق المخطط المرسوم سابقا من قطر الى أوروبا عبر السعودية والأردن وسورية؟
فعلياً المنطقة الشمالية الشرقية من سورية ليست ضمن المناطق التي يشملها الاتفاق ولكن هي المنطقة المستهدفة من هذا المشروع بالدرجة الأولى حيث تهدف روسيا وتركيا وإيران من خلال وقف الحرب وتوحيد الجهود لمكافحة الإرهاب التوجه نحو المنطقة الشرقية وعبور الفرات الذي يشكل حاجزاً طبيعياً من الممكن أن يشكل بدوره أرضية لمنطقة نفوذ أمريكية كردية بذريعة مكافحة الإرهاب وهو الذي لايخدم مصالح روسيا بحيث أنها منطقة عبور أنابيب الطاقة الخليجة باتجاه أوروبا كبديل عن الأنابيب الروسية ولايخدم مصالح تركيا أيضاً من حيث التصنيف التركي حيث تعتبر الحكومة التركية الأكراد المتواجيدن في المنطقة الشرقية فرع لحزب العمال الكردستاني الإرهابي (تركياً) ولا يخدم أيضاً مصالح إيران بحيث ستنقطع صلة الوصل البرية الرئيسية بين ايران وسورية ولبنان الممتدة من (محافظة ديالا الحدودية مع إيران-إلى محافظة صلاح الدين وسط العراق- وصولاً لمحافظة نينوى عن طريق تلعفر في العراق إلى المنطقة الشمالية الشرقية في سورية) من خلال التواجد الأمريكي غير الشرعي في المنطقة.
- هل تعتقد أن هذا الاتفاق هو فعلا لصالح الدولة السورية، أم سيكون ملف معقد يعيد ترتيب الحسابات إقليميا ومحليا في قادم الأيام؟
هنا علينا أن نميز بين مفهومين اساسيين وهما الدولة والسلطة حيث أن هذا الاتفاق بلا شك هو من صالح الدولة السورية كونه ينهي الحرب الداخلية ويتوجه نحو اجتثات الإرهاب ويعيد المؤسسات الحكومية للعمل وبسط سيطرتها على كامل الجمهورية أما من ناحية السلطة وشكل النظام السياسي فهذا الاتفاق يعلن فعلياً في حال تطبيقه انتهاء النزاع المسلح بين الأطراف الداخلية المتحاربة وبداية النزاع السياسي والسلطوي في سورية حيث سيضفي مسار الحل السياسي إلى إشكاليات بالغة التعقيد وشديدة الحساسية أهمها مفهوم المرحلة الانتقالية وطبيعة وشكل الحكومة الانتقالية وكيفية الاتفاق على شكل النظام السياسي (رئاسي-برلماني-شبه رئاسي) وشكل السلطة هل ستكون مركزية أو لامركزية (إدارية أو سياسية) كل هذه الاحتمالات ستخضع لتجاذبات وتحالفات دولية وأقليمية ستكون شديدة الوطئ على الحياة السياسية والاجتماعية في الداخل السوري، خاصاً أن القوى المعادية للحكومة السورية تسعى إلى تطعيم السلطة المستقبلية بأشخاص يدينون بالولاء لها ويحملون أجندتها لتأثر على أي قرار سيادي بما يخدم مصالح الدول المعنية في الملف السوري.
- بما يتعلق ومعلومات حول حشود عسكرية تركية على الحدود مع ادلب؛ برأيكم هل باتت تركيا رسميا في وجه لوجه وأخيرا مع التنظيمات الإرهابية، أيضا ضمن الاتفاق الأخير، أم لاستشعارها الخطر حيال قيام دولة كردية؟
بالنسبة لتركيا فهذه المرحلة هي أكتر مرحلة تتطلب الحذر الشديد والتشديدات الأمنية والعسكرية القصوى كونها استثمرت في تنظيمي النصرة وداعش سابقاً، بالتالي هي تتوقع رد فعل عنيف وشديد من قبل هذين التنظيمين، وبالرغم من أن الحكومة التركية استطاعت التخلص من التهديد المباشر لنتظيم داعش عبر القضاء على آخر معاقله على الحدود السورية الشمالية عبر عملية درع الفرات، ولكن فعلياً حل محله في أماكن أخرى التواجد الكردي الذي تعتبره من أشد التنظيمات الإرهابية خطراً عليها، والمدعوم من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، فهذه الحشود موجه ضد كل من الكرد والقاعدة، بحيث أن كلا التنظيمين يتواجدان مباشرة على الحدود السورية-التركية، إلى السيناريو الذي نرجحه هو اشتعال المعارك الشرسة في ادلب بين الفصائل التي انضمت للاتفاق والفصائل الأخرى، والتي ستدفع بعدد لايستهان به من هذه العناصر لدخول الأراضي التركية، مما يرشح المناطق الحدودية التركية لتكون ساحة صراع بين هذه الفصائل وهو الأمر الذي يعتبر تهديداً كبيراً ومباشراً للأمن القومي التركي يستدعي التأهب والحشد الكبير على الحدود مع سورية.