مقابلات صحفية

الكاتب والمحلل السياسي السوري صلاح النشواتي لـ«المغرب»: «موسكو ربحت معركة سباق التسلح مع واشنطن قبل أن يبدأ»

حوار 

• «إنهاء اتفاق معاهدة الصواريخ النووية كان صدمة ونكسة للولايات المتحدة الأمريكية»
قال الكاتب والمحلل السياسي السوري صلاح النشواتي لـ«المغرب» ان التصعيد الأخير بين

روسيا وأمريكا وانسحابهما من اتفاقية معاهدة الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى ، هو بالأساس نتاج ما خططت له روسيا بدقة على امتداد سنوات طويلة مشيرا الى ان إنهاء اتفاق معاهدة الصواريخ النووية كان صدمة ونكسة للولايات المتحدة الامريكية وليس لموسكو .

• كيف يمكن فهم الانسحاب الأمريكي من معاهدة الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى؟
اذا اردنا التحدث عن ذلك في شكل بحث استراتيجي عن السلوك الأمريكي والسلوك الروسي ، فما نراه اليوم هو نتائج لما خططت له روسيا بدقة ، فالإعلان الأمريكي بالانسحاب من معاهدة الحد من الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى هو مطلب ضمني روسي.
يعتبر هذا اعلان بدء الدخول في مواجهة وهذه المواجهة ليست مواجهة عسكرية بالمطلق، إنما ذات مظهر عسكري. والواقع أن الولايات المتحدة الامريكية تقوم برد فعل وليس الفعل لكن بنفس الوقت هذا لا يعني ان روسيا هي من انتهكت هذه الاتفاقية.
هناك مسار كامل للإستراتيجية الروسية بدأت منذ عام 2009 لها ركائز أساسية وأهم ركائزها تلافي أخطاء الماضي .فسباق التسلّح هو من أخطاء الماضي بالنسبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين فهو يرى أنه خطأ كبير ساهم في انهيار الاتحاد السوفياتي وإفلاسه بالتالي يجب تلافيه.
أما غاية هذه الاستراتيجية فهي الوصول الى الرؤية الأوراسية التي تتمتع بديناميكية ومرونة كبيرة حسب متغيرات الواقع.

• كيف ترون تداعيات هذا الانسحاب وهل يمكن ان تؤدي الى اندلاع حرب كبرى؟
بُنيت هذه الاستراتيجية على مبدأ أن تقوم روسيا بتطوير أسلحتها في الخفاء وفي الظل وان تقوم موسكو بشن سباق تسلح من طرف واحد وليس بين طرفين، أي دون علم امريكا بهذه الحرب، او بكيفية تطوير روسيا لهذه الاسلحة وتكاليف هذه العملية، والانكفاء نهائيا عن اي ملف ساخن في المنطقة بعد ان أعلن الرئيس الأمريكي انذاك باراك اوباما عام 2009 عن استراتيجيته التي تنص على أنّ الصين هي الخصم والعدو الرئيسي لأمريكا وليس روسيا ، وأنّ التوجه هو الانسحاب من العراق وأفغانستان عام 2011، والانسحاب من آسيا الوسطى والتوجّه إلى مُواجهة الصين لضرب نسب النمو العالية للصين خوفا من تحوّلها الى ركيزة للصين لإطلاق مشاريع استراتيجية تنموية كما رأينا مشروع «طريق الحرير» كمشروع استراتيجي تنموي .
روسيا كانت تنتظر في هذه الفترة وتبني استراتيجيتها على مبدأ مصارعة الرابح المنهك بين الطرفين الصين والولايات المتحدة الأمريكية. فشل الاستراتيجية الأولى لأوباما عام 2013 بعد أن فشل الربيع العربي كمشروع لملئ الفراغ الذي سيولده الانسحاب الأمريكي من اسيا الوسطى والشرق الأوسط ، دفع أوباما الى وضع استراتيجية جديدة غير مُعلنة تُدرج روسيا ضمن الأعداء والخصوم للولايات المتحدة.
وهذه الاستراتيجية بدأت روسيا في تلمّس ملامحها عندما خاض أوباما انقلابا ضدّ النظام الاوكراني السابق بقيادة يانكوفيتش ودعمه لبورشينكو ومحاولة سلخ القرم من روسيا وإعدام ممرّاتها البحرية وإطلالتها على البحر الأسود كنوع من التطويق البحري الاستراتيجي بالتزامن مع التطويق البري من قبل القواعد العسكرية في الدول ذات الموقع الجيوستراتيجي.
كان هنا الردّ الروسي وهو ردّ على المستوى الاستراتيجي، حيث فصلت موسكو استراتيجيتها إلى شقين غير متزامنين وشرعت بتطبيق الأول قبل حينه، والمتمثل بالانخراط في الملفات الساخنة وكان أولها القرم، أما الشق الثاني فيتمثل في نسف سباق التسلّح قبل أن يبدأ، و إيجاد بنية اقتصادية جديدة منفصلة عن بنية الاقتصاد العالمي الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة الامريكية ببنكها الاحتياطي الفيدرالي.
هذه الاليات أصبحت منفصلة عن السلوك والاستراتيجيات العسكرية في نقطة 2014 تماما بعد هذا المسار كان هناك محاولة أمريكية للاستثمار في «داعش» بسوريا . نشأة «داعش» ومحاولة أمريكا الاستثمار وتوجيهه الى اسيا الوسطى لاستهداف الطرفين روسيا والصين.
كان نتيجة هذا السلوك تدخل روسيا في الأزمة السورية واطلاق عمليات مكافحة الارهاب وإنهاء «داعش» بالمطلق. في 1 مارس 2018 أطلق الشق الثاني من الاستراتيجية الروسية، حيث اعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وكشف الغطاء عن الأسلحة التي تمّ تطويرها وأولها صاروخ «خنجر» والذي اعتبر قاتل حاملات الطائرات التي تعتمد عليها الولايات المتحدة الأمريكية بالدرجة الاولى لتطبيق أي استراتيجية على كوكب الارض والكثير من الأسلحة التي وضعت التفوق العسكري الأمريكي في خطر حقيقي.

• هل دخل العالم رسميا سباقا للتسلح النووي ؟
تطوير روسيا للأسلحة وإنهاء سباق التسلح قبل حتى أنّ يبدأ والانتظار حتى الاعلان عن استراتيجية ترامب العلنية عام 2018 كان بهدف التأكد من نزع فتيل أي مواجهة عالمية، وذلك بعد أن تم شطب بند الضربة النووية الاستباقية.
اذ ان الاستراتيجية الامريكية كانت دائما تحتوي على هذا البند الخطير، والذي يعتبر أن واشنطن تستطيع شن ضربات نووية وحرب كاملة الأركان بمجرد رصد نية لدى الخصم في مواجهتها وقبل أن يكون هناك تحرك فعلي.
هذا البند هو ما كان يمنع روسيا من كشف الغطاء وتأجيل الإعلان عن الشق الثاني من استراتيجيتها، عندما ازيل هذا البند من الاستراتيجية الامريكية . باتت موسكو قادرة على الانتقال من الظل إلى العلن في 1 مارس 2018 ،كما أن تطوير صاروخ «اسكندر م» بمدى 490 كيلومتر هو فعليا نقطة البداية التي أرادتها موسكو لإنهاء المعاهدة.
انهاء معاهدة الصواريخ النووية كان صدمة ونكسة للولايات المتحدة الامريكية وليس لموسكو، والسبب ليس عسكريا السبب أنّ موسكو تُحاول الفصل بين مفهوم الأمن القومي الأمريكي ومفهوم الأمن القومي للاتحاد الأوروبي، والذي بدوره سيؤدي إلى إعادة تعريف كل من المصالح الامريكية والمصالح الأوروبية بشكل مغاير للحالة السابقة التي تتسم بوحدة هذه المفاهيم وتطابقها والعمل على أساسها.
فموسكو تعي أهمية الاتحاد الاوروبي انه يشكل المرساة التي تربط الولايات المتحدة الامريكية بقلب العالم،و بدون الاتحاد الاوروبي وحلف الناتو والقواعد الموجودة في اوروبا ستنعزل امريكا خلف المحيطات. فهي لا تستطيع التدخل بعد ذلك أبدا خاصة مع فقدان الأساطيل البحرية الأمريكية وعلى رأسها حاملات الطائرات لقيمتها الاستراتيجية بسبب السلاح الروسي الجديد (صاروخ خنجر) قاتل حاملة الطائرات. امريكا لا تستطيع كدولة السيطرة على العالم دون وجود تحالفها مع اوروبا الغربية كمرساة فعلية للوجود الأمريكي.

• من هي الأطراف التي ستتضرّر من هذا الانسحاب ؟
ماتحاول موسكو فعله اليوم هو تعميق الشرخ بين الولايات المتحدة الامريكية وأوروبا. ومحاولة دعم اوروبا في اعادة صياغة وتعريف مفهوم الامن القومي الأوروبي كان أحد نتائجها إعادة طرح مبادرة الجيش الاوروبي الموحد.
أحد أهم النقاط التي ظهر فيها الخلاف بشدة كان موضوع الانسحاب الأمريكي الأحادي من الاتفاق النووي مع ايران، وأيضاً في مشروع خط الغاز السيل الشمالي 2 بين روسيا وألمانيا.
وعند الحديث عن الانسحاب من هذه المعاهدة نلاحظ أنّ موسكو لم تنشر هذه الصورايخ متوسطة وقصيرة المدى في الحدود الشرقية لها والتي تفصلها عن الأراضي الأمريكيّة مسافة 80 كلم فقط ، هي تنشرها في «كالينينغراد» الواقعة بين بولونيا ولتوانيا وتنشرها بالدرجة الاولى في غرب روسيا.بالتالي نتحدث هنا عن تهديد الامن القومي الاوروبي في حال استمرار تعريفه بأنه مطابق وملاصق للأمن الامريكي، وهنا يعي قادة اوروبا ان الاستمرار في خدمة المصالح الامريكية يعني تهديد امنهم القومي بلا طائل، ولخدمة أمريكا فقط، لذلك هم بحاجة الى اعادة تعريف مفهوم الأمن القومي .خاصة مع ضغط ترامب لرفع انفاق الدول الاوروبية على حلف الناتو.
جوهر الخلاف حول الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى هو أن روسيا استجرت امريكا الى هذه اللحظة بالذات وبدقة وتخطيط شديدين. روسيا قد ربحت معركة سباق التسلح قبل ان يبدأ. فمن سيُنهك من هذا السباق هو اقتصاد امريكا بالدرجة الاولى ومن سيضره هذا السباق هو الامن الاوروبي.
من سيسعى لتفادي هذا الضرر هو دول الاتحاد الاوروبي، وقد بدأت بوادره من خلال الاقتراح الأوروبي لروسيا بسحب الصواريخ إلى خلف الأوروال ورفض ألمانيا نشر الصواريخ الأمريكية على أراضيها.
يبقى الفرع الآخر من الشق الثاني من الاستراتيجية الروسية والمتعلق بإيجاد آلية وهيكلية اقتصادية دولية جديدة مع أوروبا وبعيداً عن الآليات العالمية الحالية التي تخضع لسيطرة واشنطن، والذي يحتاج إلى الكثير من الجهد والمناورة والتخطيط.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى