حوار صحفي مع جريدة المغرب حول جبهة الجنوب في سورية والقلق الإسرائيلي
الكاتب والمحلل السياسي السوري صلاح النشواتي لـ«المغرب»: «أهمية معركة الجنوب السوري تكمن في ارتباط مصالح وأمن العديد من الدول بتلك المنطقة»
اكد الكاتب والمحلل السياسي السوري صلاح النشواتي في حوار لـ«المغرب»
أن معركة الجنوب السوري تحمل أهمية بالغة لعدة اطراف بالإضافة إلى تأثير هذه المعركة السياسي والعسكري على الحرب السورية ككلّ فضلا عن أبعادها الإقليمية الأخرى. وأضاف النشواتي أنّ التطوّرات المفصلية في جبهة الجنوب كانت سببا في الغارات الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت مطار التيفور والقنيطرة بهدف فرض ردع استباقي للحكومة السورية».
• اولا لو تقدمون لنا رؤيتكم للواقع الميداني الراهن في سوريا وبالتحديد معركة الجنوب الى اين وصلت ؟
جبهة القتال في جنوب سوريا كانت وزّعت على جبهتين اثنتين، الأولى درعا ومحيطها من جهة الشرق وصولاً إلى السوداء والثانية من غرب درعا وصولاً إلى القنيطرة وكامل الحدود مع الجولان المحتل.
وسبب هذا التوزيع يعود إلى حساسية المنطقة الجنوبية إضافة إلى ارتباط مصالح وأمن العديد من الدول في تلك المنطقة، بالإضافة إلى تأثير هذه المعركة السياسي والعسكري على الحرب السورية، أيضاً هناك أبعاد إقليمية لا تقل أهمية عن أهمية مسار الملف السوري، حيث ربط دول الخليج بالمتوسط عن طريق الأردن وسوريا، واستئناف الحركة التجارية الأردنية عبر الأراضي السورية، والتخوف الإسرائيلي من فتح جبهة الجولان بعد حشد الجيش السوري لقواته الاقتحامية الضاربة ومشاركة حلفائه في المعركة، ماجعل توزيع المعركة إلى جبهتين أمراً مفيداً من ناحية تخفيف الضغط الدولي والعسكري على مسار المعركة، وفصل التشابك للأطراف المتأثرة، وتسهيل عملية التفاوض والمصالحات، وهو ماحصل فعلاً واستطاع الجيش السوري بمساندة من القوات الحليفة أن ينهي شرق درعا وصولاً للسويداء ويسيطر على الحدود السورية الأردنية بشكل شبه كامل، ويتفرغ للجبهة الثانية غرب وشمال غرب درعا وصولاً إلى الجولان المحتل، حيث تنتشر في هذه المنطقة جماعات مسلحة لكل من جبهة النصرة وتنظيم «داعش» الارهابي.
• ماهي قراءتكم للغارات الاسرائيلية الأخيرة وهل لذلك علاقة بمعركة الجنوب؟
انطلاق هذه العملية يرعب حكومة الاحتلال الإسرائيلي بكل ما للكلمة من معنى، حيث تحولت من التخطيط لانتهاز الفرصة في الفوضى الحاصلة لزيادة توسع الكيان الإسرائيلي ونفوذه، أي تحقيق أكبر مكاسب ممكنة، إلى محاولة السعي نحو إعادة الوضع إلى سابق عهده قبل اندلاع الحرب في سوريا، وهي انتكاسة كبيرة للتخطيط الإسرائيلي، خاصة أننا نتحدث عن قوة كبيرة للجيش السوري، وعن ازدياد حدة وحجم المواجهات والمشاركين فيها، سواء من طرف الحكومة السورية، أو من طرف حكومة الاحتلال الإسرائيلي وجماعاتها الإرهابية.
وفي ظل هذه التطوّرات المفصلية في جبهة الجنوب لم يكن أمام نتنياهو إلاّ محاولة التخفيف من تداعيات تقدم الجيش السوري وحسم المعركة، حيث اتجهت حكومة الاحتلال نحو تكرار عدوانها على مختلف المناطق العسكرية السورية كالاعتداء الأخير على مطار التيفور العسكري والقصف على مدينة القنيطرة، في سبيل فرض ردع استباقي للحكومة السورية، ولكن بكل تأكيد هذه الغارات لاتكفي لفرض أي شيء فعلياً سوى بعض الخسائر التي لاتشكل شيئاً ملموساً أمام خسائر السنوات الأخيرة في الحرب، ولكن من جهة أخرى فإن الاعتداء الإسرائيلي المتكرر يستهدف مخازن سلاح ومناطق الدعم اللوجستي للعمليات العسكرية التابعة لحلفاء الجيش السوري مايعني أن الاحتلال الإسرائيلي ينتهج سياسة استنزاف طويلة الأمد في ظل تشديد العقوبات الاقتصادية على طهران، ويسعى لتحويل الوجود الإيراني في سوريا إلى بؤرة استنزاف لها، بالتزامن مع التعقيد السياسي الناتج بعد كل غارة إسرائيلية.
• في أي إطار يتنزل لقاء بوتين نتنياهو وكيف ستكون تداعياته على المعادلة السورية ؟
نتنياهو استثمر كل ماسبق في زيارته الأخيرة لبوتين في موسكو، حيث يسعى لإقناع موسكو بأن تكون الضامن لأمن الكيان الإسرائيلي مقابل الضغط على واشنطن لتقديم تنازلات في سورية قد تصل إلى درجة انسحاب القوات الأمريكية من بعض المناطق التي تحتلها، وهذا الضمان الذي يسعى إليه نتنياهو يتلخص برؤيته وليس برؤية موسكو، بالتالي نتحدث عن الإشكالية المستمرة منذ عام 2014 إلى الآن، وهي رؤية من يجب أن تتبع موسكو في ضمان الأمن الإقليمي رؤيتها الخاصة أم رؤية نتنياهو!!
بكل تأكيد ستكون رؤية موسكو هي المحققة وخاصة أن هذه الرؤية تنبع من استراتيجية شاملة للشرق الأوسط وشمال أفريقيا وليس من مبدأ تكتيكي أو مرحلي إن صح التعبير، إضافة إلى أن العلاقة الروسية الإيرانية في المرحلة الحالية من الصعب اختراقها إسرائيلياً حيث ليس بمقدور اسرائيل أن تكون بديلاً عن طهران، ولا حتى طهران باستطاعتها التصرف بحرية مطلقة في ظل الغطاء العسكري و الدبلوماسي الروسي في سوريا، أي أن موسكو حالياً تتحكم بمفاصل الصراع مع ميل إيجابي لصالح محور المقاومة منذ رفض الطلبات الإسرائيلية المتكررة باعتبار الجولان المحتل أرضاً إسرائيلية.
• ماهي توقعاتكم للمشهد المقبل في سوريا في خضم هذه التطورات الداخلية والدولية؟
كل هذه التعقيدات تخيم بظلالها على الجبهة الجنوبية، مع عجز عسكري ودبلوماسي إسرائيلي في فرض قواعده أو تجنب مخاوفه، بالتالي لايوجد أمام حكومة الاحتلال إلا طريق واحد مؤلم يمكن سلكه، وهو الضغط على واشنطن وعلى الرياض لدفع المجموعات المتبقية في الجنوب للاستسلام وترحيلها دون خوض المعركة، بمقابل بقاء القوة النارية للجيش السوري وحلفائه بعيدة نسبياً عن خط فض الاشتباك، هذا الخيار محكوم بعامل الوقت، فليس أمام الاحتلال الإسرائيلي الكثير، لذلك من المتوقع أن تكون هذه المواضيع على رأس القائمة في قمة ترامب-بوتين في هلنسكي، وسيشكل ملف الأمن الإسرائيلي أحد أوراق الضغط الروسية على ترامب، والتي ستجبره على الخروج بتفاهمات مهمة كونه أصبح مرهوناً بدعم اللوبي الصهيوني الامريكي بشكل كبير.
في المحصلة سيترجم تنازل واشنطن وتل أبيب بدفع الحل السياسي وعودة الاستقرار كخيار آمن يدفع الأطراف المنخرطة في الحرب للانسحاب وينهي الفوضى التي خرجت عن السيطرة الأمريكية الإسرائيلية، وانعكست عليها ميدانياً، لتتجه بعدها كل من ‘’إسرائيل’’ وأمريكا إلى تركيز جهودهما نحو استهداف النظام الإيراني بشكل مباشر عبر خنق اقتصادها وتصعيد حدة الملفات معها بعيداً عن الاشتباك العسكري.
حوار: وفاء عرفاوي