المقالات

ابن سلمان بين طلب الوساطة وإدانة الاتصال…استراتيجية غامضة في مواجهة طهران

صلاح النشواتي-لا يزال هذا الأمير الشاب مصدر حيرة وتعجب لكل مراقب سواءً داخلي أم أجنبي، وليس المستغرب تلكالسرعة الكبيرة لصعود نجمه بين جميع أقرانه، كونه في النهاية ابن ذلك النظام الملكي القائم على سلطة الرجل الواحد المتفرد بكل شيء، ولكن الغريب هو اندفاعه الكبير نحو التغيير الذي يطلق له العنان بكل حرية وأريحية، ليطال تقريباً كل شيء من الممكن أن يخطر ببال ابن سلمان، وأحد أخطر هذه القضايا وأكثرها لهيباً هي الملف الإيراني

، حيث يشكل أي تفاعل أو دفع لهذا الملف سلسلة من ردود الأفعال تتجلى على ساحات وميادين المعارك والتي من الممكن أن تكونبالغة الضررلعدة أطراف في ذات الوقت، أي أن الملف الإيراني ملف بالغ الحساسية لايحتمل ضياع استراتيجي أو رؤية عكرة في التعامل معه، وهو فعلياً ماتوحي به رؤية ابن سلمان للعلاقة السعودية الإيرانية، التي تجلت في طلب محمد بن سلمان الوساطة من قاسم الأعرجي وزير الداخلية العراقي مع طهران في 13/8/2017 ليتصدر هذا الخبر جميع وسائل الإعلام لمدة أسبوع كامل، قبل نفيه رسمياً من قبل مصدر مجهول في الرياض، ليتكرر أيضاً ذات المشهد تقريباً في 14/9/2017 بطلب الرياض وساطة إيرانية مع الحوثي لبدء الحوار، وينفى أيضاً على لسان القحطاني مستشار الديوان الملكي.

وفي الجهة المقابلة تصعيد ضد إيران واتهامها بتزويد الحوثيين بصواريخ بالستية وإدانة أي طرف على تواصل أو اتصال مع طهران بأقسى الطرق وأكثرها تطرفاً، وليس مشهد استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري من الرياض وكلمته المتلفزة آخرها،مايدفعنا للتساؤل حول ماهية الاستراتيجية التي يطبقها الأمير الشاب تجاه إيران وهل هي عدائية فعلاً أم تقاربية وتهمة للغير في ذات اللحظة؟.

يبدو أن إجابة هذا السؤال لايعرفها ابن سلمان نفسه، أو على الأقل غير متأكد منها، فجنوح الأمير الشاب إلى التغيير أصبح واضحاً للجميع، من خلال المشاريع الاقتصادية التي يطرحها، والسياسات التي يعيد صياغتها، مايدل على أن عنوان شخصيته الرئيسي(التغيير)، والتغيير للتغيير فقط، لا لأي غاية محددة، كنوع من رفض كل قديم أو مستحدث جاء به أحد غيره، مايعني أن العداء التقليدي بين الرياض وطهران يخضع أيضاً إلى المراجعة، والذي أدى غياب دراية ولي العهدبالأسباب الحقيقية التي تقف خلف هذا العداء إلى تحويل ارتباكه إلى استراتيجية ارتباك منظمة، فالسعي وراء التقارب مع طهران في إطار بقاء العلاقات السعودية-الاسرائيلية في أوج ازدهارها، والامتثال المطلق لسياسات واشنطن، يعني أن هناك غياباً كلياً للإدراك بمسبب القطيعة بالدرجة الأولى،وهو مايبقي على رؤية الرياض الملأى بالذعر والارتياب تجاه أي برنامج إيراني عسكرياً كان أم سلمياً، والتي ستبقى باعتقاد ابن سلمان موجهة ضدهم، وهي حالة طبيعية  في حال استمرار ربط الأمن القومي للمملكة بالأمن القومي للكيان الاسرائيلي، مايقرع بالنتيجة ناقوس الخطر للأمن القومي السعودي في كل مرة يشعر بها الكيان الإسرائيلي بالخطر، وهو مايعتبر في الوقت الراهن انتحار سعودي وتضييع لفرص إعادة بناء تحالفات حقيقية، كانت ستؤدي على أقل تقدير إلىفك الارتباط التدريجي مع الهيمنة الأمريكية على الرياض، لصالح المبادرة الروسية في بناء شراكة استراتيجية من الممكن أن تغير وجه ومستقبل المنطقة برمتها بطمأنة المخاوف السعودية حول التهديد الإيراني ضد المملكة، كون روسيا حليف مشترك، وتسعى لمنح الرياض أقوى منظومة دفاع جوي في الأرض، قادرة على إبطال أي برنامج صاروخي قد يوجه ضد الرياض، مما يتيح فرصة مهمة لإعادة صياغة الحلقة المفقودة لدى ابن سلمان في بناء معادلة أمن أقليمي تتسع جميع الفرقاء وتحيد الكيان الإسرائيلي كمسبب للمواجهة الدامية بين طهران والرياض،والتي تتجلى ويلاتها على العديد من الساحات العربية،ولكن على مايبدو انشغال ابن سلمان بتغيير الظروف والعوامل الداخلية والخارجية لصالح مستقبله الشخصي تفوق اهتماماته بتغيير وصياغة رؤية جديدة للأمن القومي للمملكة أو دورها الأقليمي، لدرجة أصبح فيها ولي عهدٍ برتبة ملك، وتحول فيها الملك إلى حاكم فترة انتقالية لصالحه ليس إلا، وهو جدياً ماتعول عليه واشنطن في تشجيعهالابن سلمان في كل قرار أو مغامرة جديدة يخوضها،دافعاً الرياض في النهاية لخوض مواجهة بالوكالة عن واشنطن والكيان الاسرائيلي ضد طهران، متسلحاً بوهم الدعم الأمريكي اللامحدود في هذه المواجهة، بعد أن فشلت حروب الوكالة على مستوى المجموعات المسلحة الصغيرة، مايعني أن تركيز القرار بشكل مطلق بيد رجل واحد، أهم سماته التهور وحب المغامرة وإقصاء الجميع دونه حتى الملك نفسه، هو مطلب أمريكي بامتياز باركه ترامب شخصياً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى