المقالات

صراع توازن القوى الدولية يعود من جديد

صلاح النشواتي-بعد ان كان هذا الصراع ينطلق من قلب العواصم الغربية والأوربية ويمتد ليشمل معه العالم بأسره حارقا الشعوب والثروات والحضارات بحرب كونية لا هوادة فيها ولا رحمة، عاد هذا الصراع ليظهر من جديد، ولكن بشكل مختلف واسلحة جديدة

، حيث أصبح التوازن الدولي يتعلق بسيادة القرار لدى الدول العظمى، التي تحاول من خلال هذه القرارات الحفاظ على مصالحها في دول العالم الثالث، وعلى تواجدها فيها،
وقد افرز التطور التكنلوجي والفكري لدى الدول المتصارعة، صراعا من نوع مختلف، أدواته وأسلحته ليست ملكا للدول المتصارعة، ولا حتى تحت حسابها او تكاليفها، وذلك باستخدام مختلف وسائل الاتصال ووسائل الإعلام مدفوعة الأجر، وذلك لوطئة الأزمة الأقتصادية العالمية في ظل العولمة، والانكشاف الاقتصادي على الدول الليبرالية والدول التي بدأت تميل الموازين في غير صالحها، فأصبحت تخطط وتنفذ وتحارب بأدوات أعدائها عبر الضخ الفكري والتجيش الإعلامي، وتعبئة الجماهير في صفوف متقابلة (بصيغة التدمير الذاتي)، ونذكر احد هذه النماذج واللذي ظهر من خلاله هذا الصراع جليا ألا وهو الجمهورية العربية السورية حيث كشفت هذه الدولة معالم معسكرين دوليين كبيرين
الاول: (روسيا،الصين،ايران،لبنان،جنوب افريقيا ودول اميركا اللاتينية)
الثاني: (الولايات المتحدة الأميريكية،الكيان الصهيوني،فرنسا،بريطانيا،الخليج العربي،تركيا)
لما لسورية من موقع جيوسياسي و استراتيجي وحساس، وماتحتويه من ثروات طبيعية ترشحها لتكون في المستقبل لاعبا اساسيا في رسم السياسات الدولية، والتأثير على النهج الاقتصادي العالمي، حيث بدأ الصراع بشكله الخفي منذ نهوض روسيا الاتحادية، باكتشافها للغاز في سيبيريا، وتحولها إلى أكبر مصدر له في العالم، مما أنعش اقتصادها وأعاد بها إلى سباق التسلح العالمي، وإنتاج الأسلحة الفتاكة والمتطورة، لتصبح روسيا احد اهم صناع القرار الدولي، فبدأت هنا تشكل تهديدا صريحا للمصالح الأمريكية في العالم وخطر على أمنها القومي من جهة أخرى، مما دفع واشنطن لنشر الدرع الصاروخية الأمريكية في اوربا في عام 2004، لتقطع الطريق على روسيا عسكريا، ولتزيل تهديد الصواريخ البالستية والعابرة للقارات القادرة على حمل 10 رؤوس نووية دفعة واحدة،
ولكن سرعان ماكتشفت اميركا فوات الآوان، حيث تمكنت روسيا من الدخول إلى المنظومة الأقتصادية الأمريكية في العالم من منظمة التجارة العالمية إلى البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وأصبحت تصدر الغاز إلى الاتحاد الأوربي، واللذي يشكل انهياره كارثة عظمى للاقتصاد الاميركي، على مبدأ تصريف البضائع والمنتجات بفرق €-$ لأوروبا، فهددت روسيا بقطع الغاز عن اوروبا اذا ما شحنت هذه القواعد بالصواريخ، فوقفت الولايات المتحدة وقفة العاجز اما الضغوط الاوربية والتداعيات الخطيرة لمثل هكذا تصرف، إلى أن أتت ثاني أكبر دولة مصدرة للغاز في العالم (قطر)، لتبرم العقود السرية مع اوروبا، لإمدادها بالغاز القطري عوضا عن الغاز الروسي، امدادا دائما بأنابيب تمر من سورية وتركيا إلى أوروبا، وهنا عرض امير قطر على الرئيس بشار الأسد نسبة لسورية من وارد الضخ، مقابل السماح بمد هذه الأنابيب والضخ من خلالها، كما كان لتركيا النصيب الوافر من الوعود والمغريات السياسية والاقتصادية، ولكن ماكان للرئيس بشار الأسد إلا أن جابهه بالرفض القاطع، لمشروع يمكن ان يهز المجتمع الدولي ويخل بالتوازنات الدولية لصالح الدول الامبريالية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وكان هذا الرفض أحد الأسباب الأساسية غير المباشرة للأحداث في سورية، حيث بدأت أميركا وحلفائها بشن هجوم كبير على سوريا، ولكن بأدوات جديدة، وتحت مسمى الثورة والحرية، لإحراقها بوقودها ولتقتلها بيدها، على أمل اسقاط الدولة والمنظومة الحاكمة، والأتيان بمنظومة أخرى وحكومة إنقاذ تنفذ قرارات هذه الدول، وتكون الحارس الأمين والخادم المطيع لمصالحها في المنطقة، حتى تكتمل الرؤية الصهويونية، في الأقليم، وتستمر المنظومة الأمريكية الاستغلالية والوحشية بالتطور والسيطرة على العالم، ولتتحكم بما لدى سورية خاصة من مخزون طاقوي كبير في المياه الأقليمية السورية، مما قرع أجراس الخطر لكل من روسيا و الصين للوقوف في وجه المطامع الأمريكية، في تنفيذ هكذا مخطط على صعيد الجغرافية السورية، لما له من ضرر كبير على الاقتصاد الروسي، وخطر على أمنها القومي، ولما يحمل من تهديد لتحجيم الصين، والتي بدأت تصبح الثالوث الأعظم في الاقتصاد العالمي،  وهو مادفع بالطرف الرسمي في سورية إلى الانحياز لحلفائه التقليديين، لما فيهم من ضمان لمصالح الدولة السورية، وسيادتها وأمنها القومي، والغذائي، ومستقبلها وخططها السياسية والعسكرية في المنطقة، ومع صمود الدولة ومؤسساتها في سورية بدأ يظهر يتضح هذا الصراع الدولي من حيث المساعدات الروسية والإيرانية من غذاء ودواء ومال وسلاح…الخ
وهما يمثلان الحلف الأول، إلى توريد المسلحين وتدريبهم وتسليحهم وإعلان الجهاد وضخ الأموال واستهداف الاقتصاد ومؤسسات الدولة والجيش والمخازن الاستراتيجية للسلاح وما إلى هنالك من طرف الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في المنطقة، فاتخذ هذا الصراع اشكالا عدة حيث كان مجسدا على الصعيد الدولي باجتماعات مجلس الأمن، والقرارات والمشاريع الأوروبية ضد سورية، ومواجهته للفيتو الروسي الصيني، واجتماعات الجمعية العمومية وحقوق الانسان…الخ.
اما على الصعيد الأقليمي انعكس بفتح الدول الحليفة لأميريكا حدودها مع سورية، وتقديم الدعم الكامل، وتنظيم العمليات واشراك مخابراتها في العمليات داخل الأراضي السورية، بمقابل المساعدات الإيرانية من غذاء ودواء والتهديدات بإغلاق الممرات والاستعراضات العسكرية والتصريحات السياسية.
وكل هذه المعطيات تؤدي إلى الاستنتاج أن سورية الآن والطرف الرابح فيها يحدد من الطرف الذي سيحكم في الفترة المقبلة، ومن سيكون له القرار الدولي ويحافظ على مصالحه بقوة، ومن سينئى بنفسه، ويعود لترتيب اوراقه وتوضيب حقائبه ليستعد ليخوض حقبة جديدة تختلف فيها الموازين والقوى، وكل حلف متمسك بالطرف الراعي لمصالحه حيث تتحدث اميركا وأوربا عن تسليح المعارضة، ويصرح بوتين اليوم انه لن يتخلى عن سورية حتى ولو وصل القتال لشوارع موسكو.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى