مقابلة مع صحيفة المغرب حول التقارب الروسي التركي الإيراني فيما يتعلق بالملف السوري وأبعاده
الكاتب والمحلل السياسي السوري صلاح النشواتي لـ«المغرب»: «المخاوف من الأكراد وتنشيط أمريكا لهذا المكون في المنطقة، دفعا إلى التقارب بين ايران وتركيا»
قال الكاتب والمحلل السياسي السوري صلاح النشواتي في حوار لـ«المغرب» انّ التقارب الروسي التركي الايراني
فيما يتعلق بالملف السوري ناتج عن مصالح هامة جعلت من انقرة مجبرة على التخلي عن سياسة التوازن بين الأطلسي والأوراسي لصالح الاصطفاف الواضح في الثلاثية السابقة. وأضاف النشواتي ان المصالح الثلاث لطهران وأنقرة وموسكو أصبحت في تناغم ملفت، وأهداف واضحة مشتركة يتربع على رأسها إنهاء الصراع في الشمال السوري بمكونيه الجماعات المسلحة في سوريا، والأكراد الانفصاليين.
• اولا لو تقدمون لنا قراءتكم لزيارة وزير الخارجية التركي جاويش اوغلو الى ايران ، وماهي ابعادها وتداعياتها على الملفات الاقليمية وخاصة الملف السوري ؟
الزيارة إلى طهران تحمل تبعات كبيرة على شكل الحرب والمواجهة في سوريا، فتركيا أصبحت على يقين من أنها ستصبح وحيدة تماماً في حال استغنائها عن الثلاثية الضامنة (روسيا-تركيا-إيران) بعد التأكيد الأمريكي على حماية الوجود الكردي الانفصالي في سوريا، إضافة إلى تقدم الجيش في عملياته ضد الفصائل المسلحة التابعة لأنقرة في إدلب، أي أن نتيجة العمل التركي على انفراد هو:
أولاً: القضاء على الفصائل المسلحة التابعة لها في سوريا ثانياً: تحول شمال سوريا إلى منطقة آمنة لحزب العمال الكردستاني في الداخل التركي، وبغطاء وحماية أمريكية، مايعني تهديد الوحدة الجغرافية التركية بشكل كبير، وخطر بالغ على الأمن القومي التركي.
هذه العوامل اجبرت تركيا على التخلي عن سياسة التوازن بين الأطلسي والأوراسي لصالح الاصطفاف الواضح في الثلاثية السابقة، وهو مايستدعي المبادرة لكل من روسيا وإيران لاستقبال هذا الاصطفاف وتأمينه كونه يفضي إلى نتائج بالغة الأهمية وهي:أولاً: تفكيك غرفة عمليات الموم في تركيا ضد الدولة السورية والبدء بإنهاء ملف النزاع المسلح في الشمال السوري والذي كانت تشرف على إدارته أنقرة بشكل مباشر.
ثانياً: يؤمّن الصلة الجغرافية لروسيا وأساطيلها البحرية عن طريق المضائق المائية بين البحر الأسود والمتوسط، ولإيران من خلال زيادة التعاون ورفع مستوى الثقة المتبادلة مع أنقرة بوصفها الجار الأساسي في المنطقة.
بالنتيجة تشير هذه الزيارة إلى تعمق وتجذر الاصطفافات الدولية في الشرق الأوسط، وزيادة ترابط المصالح بين الدول المصطفة كلاً على حدة، وهو يعتبر نجاحا للسياسة الروسيّة والإيرانيّة في احتواء تركيا بشكل شبه كامل، وتفكيك أوّل عقدة في الملف السّوري بالرّغم من اشتداد العقد الأخرى.
• كيف تقيّمون الدورين التركي والايراني في سوريا وهل برأيكم سيكون لهذا اللقاء تأثير على مستقبل العلاقات بين البلدين ؟
بداية التعاون التركي والإيراني في الملف السوري بعد جمعهما من قبل روسيا بمبادرة الدول الضامنة كانت تشير إلى تعاون الإجبار بمعنى التعاون كان بين أنقرة وطهران خيار الضرورة والإكراه، وهو ماكان ملاحظاً من خلال تقسيم مناطق خفض التصعيد وتوزيع نقاط المراقبة لكل من إيران وتركيا، أما في الوقت الراهن وبعد الاحتواء شبه الكامل لتركيا، والوضوح الكبير في النوايا الأمريكية والذي كرسه إعلان الاستراتيجية الأمريكية الجديدة، أصبحت المصالح الثلاث لطهران وأنقرة وموسكو في تناغم ملفت، وأهداف واضحة مشتركة يتربع على رأسها إنهاء الصراع في الشمال السوري بمكونيه الجماعات المسلحة في سوريا، والأكراد الانفصاليين، وهذه العوامل في العلاقات الدولية غالباً ماتشكل أرضية صلبة لبناء تحالف متين ورؤية مشتركة وواضحة للدول المتحالفة للمنطقة وكيفية إقرار السياسات تجاهها، وهو مايدل بوضوح على تنامي العلاقات الإيرانية التركية إلى حد قد تصل إلى التحالف والارتباط خاصة مع الدور الأساسي للعامل الجغرافي كونهما دولتين متجاورتين.
• كيف سيكون تأثير هذا التّقارب التّركي الايراني الروسي على الجانب الأمريكي ؟
فعلياً السبب الرئيسي في تحسّن الارتباط الثلاثي بشكل ملحوظ هو الدور الأمريكي كفعل، حيث أصبح الدعم الأمريكي للأكراد أكثر وضوحاً وأكبر فعالية، إضافة إلى الدور الخبيث للاستخبارات الأمريكية في دفع أنقرة وموسكو إلى المواجهة وفض الشراكة بينهما من خلال تكتيك مزدوج تمثل بتسليح جماعات النصرة بصواريخ ستنغر أدت إلى سقوط الطائرة الروسية في إدلب، بالتزامن مع توجيه ضربة مؤلمة بصاروخ أرض أرض متطور استهدف القوات التركية على الحدود السورية في منطقة عفرين، ولكن تريث الجانبين الروسي والتركي أفشل هذا التكتيك الأمريكي وفضح دوره، أما من ناحية العلاقة الإيرانية التركية فالمخاوف من الأكراد الانفصاليين وتنشيط البيت الأبيض لهذا المكون في المنطقة، دفعت إلى التقارب الكبير، لدرجة اعتبار الرئيس روحاني بشكل مبطن خلال استقباله مولود جاويش أوغلو وزير الخارجية التركي في طهران الحركات الانفصالية حركات إرهابية ويجب القضاء عليها من خلال إشارته إلى ضرورة الاستمرار في محاربة الإرهاب والحيلولة دون محاولات تقسيم المنطقة، ومايعتبر إرهابي بالدرجة الأولى بالنسبة لتركيا هم حزب العمل الكردستاني وامتدادهم في سورية، هذه المعطيات ستدفع الجانب الأمريكي إلى المزيد من التصعيد وعرقلة أي حل سياسي ممكن للأزمة السورية من جانب، ومن الجانب الآخر سيدفع بالسعودية وإسرائيل إلى زيادة منسوب التوتر في المنطقة ضد إيران ولبنان للضغط على كامل المحور ومحاولة تفكيكه ابتداءً من زيادة نشاط غرفة عمليات الموك في الأردن ضد سورية والجنوب السوري وصولاً إلى نقل أسلحة جديدة للتنظيمات الإرهابية في الغوطة الشرقية لدمشق.
• روسيا قالت انها ستعزز دفاعات قواعدها العسكرية بسوريا ماذا يعني ذلك خاصة وانها بدات بالفعل سحب قواتها من سوريا؟
الانسحاب الروسي من سوريا كان للقوة الفائضة التي لم يعد لها توظيف في الحرب ضد الإرهاب بعد القضاء على داعش بشكل شبه نهائي، أي أن القوات المنسحبة هي التي كانت تعنى بالتغطية الجوية للجيش السوري والقوات الرديفة في حربهم ضد داعش وليس كامل القوات الروسية من القواعد، إضافة إلى أن قيمة القواعد لاتكمن في العدد أو العديد الموجود فيها وإنما تنطلق أهميتها من كونها مناطق ارتكاز جيوبولتيكي في المنطقة، كموقع متقدم لمواجهة مخططات واشنطن في الشرق الأوسط والتي تمتد إلى كامل الجفرافية المحيطة بروسيا بهدف التطويق الكامل والعزل النهائي لموسكو، بالتالي تعزيز الدفاعات هو عمل مهم يمنع أي اعتداء مباشر من قبل أمريكا أو اتباعها في المنطقة خاصة بعد هجوم الطائرات المسيرة على قاعدة حميميم، ما يوضح أن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى جاهدة إلى ضرب الوجود الروسي في شرق المتوسط بأي وسيلة متاحة، وتطويقها بحزام من القواعد العسكرية في حال فشل الاستهداف، وتعزيز الدفاعات يأتي في إطار منع وقوع صدام مباشر قد يفضي إلى مواجهة كبرى في المنطقة.