سورية بين الوصاية وجذب التحالفات
صلاح النشواتي-إن الاختلاف بين الرؤية السورية والرؤية الروسية للحل بناء على مصالح كل من البلدين انعكست بتعارض أو تصادم التصريحات والمواقف بين الحليفين حيث تبلور منذ تصريح بوتين في 17/12/2015 بعد قبوله المشروع الأمريكي للحل في سورية والذي قدمه كيري لموسكو حيث صرح بوتين:”بأن هناك بعض النقاط لن تعجب القيادة السورية”.
ومن هنا فإن التصادم الحاصل هو تصادم حقيقي نابع من اختلاف في الرؤى والمصالح بين البلدين، حيث سعت روسيا منذ ذلك التاريخ إلى توسع جهودها الدبلوماسية، واحتواء الفرقاء الأقليميين، بالإضافة إلى أنها كانت أكثر موضوعية بخصوص الداخل السوري، وتبنيها آلية للحل السياسي للأزمة السورية لاتتناسب مع رؤية القيادة السورية.
حيث شكلت هذه المحاور نقاط الخلاف الرئيسة بين الحليفين، إذ أن اعتبار روسيا للحلف الإسلامي الذي يتضمن كل من السعودية وتركيا لايشكل تهديداً لروسيا بل على العكس دعت إلى التنسيق معه من جهة، ومن جهة أخرى اجتماع وزراء الطاقة للدول النفطية في قطر والتعاون في سبيل رفع أسعار النفط بما يخدم مصالح الجميع، يعطي انطباعاً أو تحليلاً عاماً بأن روسيا تحاول ملء فراغ الدور الفاعل للأمريكي في المنطقة ومحاولة قيادة هذا التحالف لإعادة توجيهه نحو داعش وحماية حليفها السوري في حال تأزم المواجهة أو الانزلاق من على حفة الهاوية، وهذا مايزيد من سطح الاحتكاك بين الفرقاء الأقليميين ويمس بسيادة الدولة السورية من وجهة نظر قيادتها.
ومن هنا يأتي تصعيد اللهجة السورية ضد أي تدخل بري والذي جاء في تصريحين متتاليين لوزير الخارجية السوري ويليه الرئيس السوري في لقائه مع نقابة المحامين وما يحمله من رسالة حول قدسية الوضع الدستوري والقانوني الحالي لسورية ومفادها يتجسد في استحالة قبول الحكومة السورية لأي تواجد بري لأي قوة أجنبية مهما كان الهدف.
ومن ناحية أخرى، فإن التنسيق الروسي مع المعارضة المسلحة -التي وافقت على محاربة داعش دوناً عن الحكومة السورية- وتعاملها معها بموضوعية (وليس حيادية بالطبع) تشكل خطوة استفزازية للسلطة في سورية بما يتضمنه من اعتراف ضمني لهذه المجموعات على أنها ليست إرهابية، إضافة إلى إمكانية المساواة بينها وبين المؤسسة العسكرية السورية والقوات الرديفة لها، وخاصة عند الحديث عن “حل سياسي” ويظهر هذا الخلاف جلياً في كلمة السيد الرئيس الأخيرة:” لاوجود للحل السياسي وإنما حل الأزمة ضمن مسارين متوازيين مسار عسكري ومسار سياسي أي لابد لنا من الاستمرار بمكافحة الإرهاب” وحيث عرف الإرهابيين أيضاً في نفس الخطاب “بأنهم كل من يحمل السلاح ضد الدولة” ووصف الوفد المعارض بالخونة والإرهابيين والعملاء، وهنا يأتي التصادم بشكله العلني حسبما صرح تشوركن مندوب روسيا الدائم في الأمم المتحدة بأن تصريح الرئيس الأسد يضرب جهود روسيا السياسية والعسكرية والدبلوماسية.
وجوهر الأمر أن روسيا تفاوض بالنيابة عن القيادة السورية مع الولايات المتحدة الأمريكية ولكن بصلاحيات واسعة جدا ضمن الرؤية الروسية، حيث أصبحت بالنسبة للقيادة السورية أقرب إلى الوصاية منها للتحالف، حيث جاءت موافقة الرئيس بوتين دستور جديد لسورية إضافة إلى هيئة حكم انتقالية تشمل الجميع مع المساواة وانتخابات تحت الرقابة كاتفاق روسي أمريكي على المشروع الذي قدمه كيري لموسكو نوع من أنواع الشروط المسبقة والقسرية على كل أطراف النزاع السوري قبل اصدار قرار مجلس الأمن 2254 وفرض مفاوضات جنيف3 دون أي شروط مسبقة اي دون أي تشرط من قبل الأطراف المتفاوضة في المؤتمر، مما شكل استفزازاً آخر للقيادة السورية تمثلت بسخرية الرئيس بشار الأسد من مفاوضات جنيف3 حيث قال:”أنه لايذكر بالضبط متى كان موعد جنيف3 وأنه لم يترك أي أثر ملحوظ في الذاكرة” .
ويأتي رد فعل القيادة السورية أيضاً نتيجة موافقة موسكو لمشاركة كل من (جيش الإسلام،وأحرار الشام) في المفاوضات ولو بصفة شخصية، ومايترافق مع ذلك من تغيير في بنية وهيكلية السلطة السورية بغض النظر عن الأشخاص، وهو من وجهة نظر القيادة السورية مطلب أمريكي بامتياز.
والسؤال هنا، ماهو انعكاس هذا التصادم بين الحليفين في مسار الأزمة السورية؟
طبعاً من المؤكد أن هناك آثار سلبية وأهمها تأخير انعقاد مؤتمر جنيف3 والأخطر إجهاض الحل السياسي قبل ولادته وهو أمر مستبعد نظراً للمعرفة المسبقة للقيادة السورية للدور المحوري والكبير لروسيا في إنقاذ الدولة السورية من الانهيار (العسكري والسياسي والاقتصادي) إضافة إلى أن روسيا السبب الرئيس في استعادة الجيش السوري والقوات الرديفة له زمام المبادرة والتقدم، ولا يخفى على أحد الشراكة الاستراتيجية الروسية-السورية لذلك سيكون هذا التصادم أو الخلاف ضمن المجال القابل للاحتواء ولانقول أن الاحتواء سيكون سهلاً أو بسيطاً وإنما سيبنى على إعادة صياغة إطار جديد للمصالح المشتركة بما يحمي الشراكة الاستراتيجية للبلدين ومصالحهما إضافة إلى خلق آليات جديدة للعمل والتنسيق المشترك تكون أكثر مرونة من الطرفين.
ولكن هذا لايعني أنها مرحلة ليست حساسة أو تخلو من الخطورة حيث أن أي شذوذ عن الواقعية القائمة على الخيارات العقلانية سيودي بمصالح الجميع في المنطقة.