حوار مع جريدة المغرب حول الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني
الكاتب والمحلل السياسي السوري صلاح النشواتي لـ«المغرب»: «أمريكا تضع العالـم في اصطفافات وتبني سياساتها الخارجية على مبدإ الانتحار الدولي»
«نقل سفارة أمريكا الى القدس المحتلة تهوّر حقيقي لم يجرؤ على اتخاذه أكثر الرؤساء
حماقة»
قال الكاتب والمحلل السياسي السوري صلاح النشواتي في حوار لـ«المغرب» أنّ الولايات المتحدة الأمريكية تدرك وتنكر في ذات الوقت أن مكانتها العالمية كقطب مهم في تراجع مستمرّ، مايجعلها تتخذ قرارات حمقاء كنقل سفارتها الى القدس المحتلة ومحاولة شيطنة ايران في المنطقة وبناء اصطفافات شبيهة بالحرب العالمية .
واضاف ان انسحاب واشنطن ماهو إلا للضغط من جديد على إيران خوفاً على أمن الكيان الإسرائيلي، حيث مايقلق واشنطن ليس البرنامج بحد ذاته ولا حتى الخوف من انتاج قنبلة نووية، وإنما مايسمى نظام التوصيل (DELIVERY SYSTEM)، حيث تعتبره موجهاً نحو حمل رؤوس نووية تهدف إلى تحقيق الردع مع القوة النووية الإسرائيلية تمهيداً لحرب شاملة لكل محور المقاومة تزيل هذا الكيان من عمق الوطن العربي.
• ماهي برأيكم تداعيات الإنسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي على صعيد الدّاخل الايراني وكذلك تداعياتها على أمريكا وحلفائها ؟
في مقاربة حول الانسحاب الأمريكي من اتفاق دولي مع الانسحابات التي قام بها الزعيم الألماني أدولف هتر قبل دخوله بولونيا نجد أن هذا السلوك المتبع من قبل الولايات المتحدة الامريكية هو سلوك عدواني على كل المستويات، حيث يشير بوضوح إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تدرك وتنكر في ذات الوقت أن مكانتها العالمية كقطب مهمين في تراجع مستمر، وبشكل تدريجي خارج عن سيطرة إدارة البيت الأبيض، كنتيجة للفشل الاستراتيجي الكبير خلال العقد المنصرم، ونتيجة لذلك الإدراك والإنكار تضع العالم في اصطفافات شبيهة بالحرب العالمية، وتبني سياساتها الخارجية على مبدإ الانتحار الدولي، بمعنى أنها تفهم خيارين لاثالث لهما: إما أن تبقى الأحادية القطبية وتستعيد كامل مكانتها وتقوض خصومها وأعداءها (إيران روسيا كوريا الشمالية الصين) كما عرفتها الاستراتيجية الجديدة لواشنطن.
أو أن تحرق نفسها بالمجتمع الدولي أجمع، لذلك نرى تهوراً حقيقياً في اتخاذ القرار بالنسبة لأمريكا من نقل السفارة إلى القدس التي لم يجرؤ على توقيعها أكثر رؤسائها حماقة وتهوراً كجورش بوش الابن، وصولاً إلى الانسحاب من اتفاق نووي دولي مصادق عليه وليس اتفاقاً ثنائياً بين دولتين أو معاهدة عادية، ويأتي هذا الاستهداف في سياق سلسلة من الخطط والمشاريع المعدة للمنطقة.
• لو تقدمون لنا ابعاد الانسحاب الامريكي ؟
هو استهداف لإيران كدولة صحيح ولكن لايقف عندها، حيث يستهدف أيضاً الأقليم كأمن جماعي، والمجتمع الدولي كقوانين وأعراف دولية، حيث تسعى واشنطن إلى تطبيق الفصل الجيوسياسي لدول محور المقاومة من خلال التثبيت في الشرق السورية وزيادة التواجد العكسري عديدا وعتاداً، وفي ذات الوقت تطويق القواعد الروسية شرق المتوسط ومنعها من التمدد إلى العرق، هذا من الناحية الجيوبولتيكية، أما من الناحية السياسية فيتكامل هذا الانسحاب بمشروع شيطنة إيران واتهامها هي وحزب الله في لبنان بتدريب مقاتلين من جبهة البوليسارو وتهريب السلاح لصالحهم، مايعني أن إدارة البيت الأبيض قد وضعت كل الأسلحة الناعمة الممكنة على قائمة التنفيذ ضد كل الشرق الأوسط، وتسعى إلى تقسيمه إلى منطقتين جيوبولتيكيتين : (شرق المتوسط، والشرق الأدنى)، وهو مايحمل بمجمله تداعيات خطيرة على الأمن الإقليمي والسلام الدولي.
• لماذا اتخذت الولايات المتحدة الامريكية هذا القرار رغم معارضة حلفائها الاوروبيين؟
أما من ناحية استهداف البرنامج النووي الإيراني فواشنطن لم تنسحب إلا كأداة ضغط جديدة على إيران خوفاً على أمن الكيان الإسرائيلي، حيث مايقلق واشنطن ليس البرنامج بحد ذاته ولا حتى الخوف من انتاج قنبلة نووية، وإنما مايسمى نظام التوصيل (DELIVERY SYSTEM)، والذي يمثل البرنامج البالستي جوهر هذا النظام، حيث تعتبره موجهاً نحو حمل رؤوس نووية تهدف إلى تحقيق الردع مع القوة النووية الإسرائيلية تمهيداً لحرب شاملة لكل محور المقاومة تزيل هذا الكيان من عمق الوطن العربي.
وتحمل العقوبات الأمريكية الجديدة رؤية أمريكية بإن إيران أمام خيارين لاثالث لهما، إما أن تعيد التفاوض وتشمل برنامجها البالستي، أو أن يموت الشعب الإيراني جوعاً ويصل إلى مرحلة تكرار سيناريو الاحتجاجات مطلع هذا العام ولكن بشكل أقوى وأوسع يؤدي إلى اسقاط النظام الإيراني.
كما أن هذا الانسحاب كان مدروساً بشكل كبير مع شركاء واشنطن الأوروبيين حيث يلعبون دور الملتزم بالاتفاق في حين أن ماكرون وصل إلى قناعة سابقة مع ترامب بضرورة أن يكون هناك ملحقاً للاتفاق، بالتالي الولايات المتحدة الأمريكية انسبحت من الاتفاق ولكن دون إبطاله، لتترك طريقاً للعودة نحو تحقيق رؤيتها بتأمين الكيان الإسرائيلي، وفي ذات الوقت ستلحق التبعات الاقتصادية للانسحاب الأمريكي بالاقتصاد الإيراني أضراراً قادرة على الحد من نشاط إيران الأقليمي ضد الكيان الإٍسرائيلي.
• هل برأيكم ماحصل من تصعيد في السماء السورية هو بداية لهذه التداعيات؟
ماحصل كان جزءاً من رسالة عميقة أوصلها محور مكافحة الإرهاب (روسيا-إيران-سوريا- لبنان) حيث وصلت رسالة قاسية إلى واشنطن من الناحية السياسية بمعنى أن التهور الأمريكي في المنطقة يخضع للاحتواء وتوجيه الرد في ذات اللحظة وفي الوقت المناسب الذي يفرّغ الاندفاع الأمريكي ويحمي المنطقة من السقوط في الهاوية، ومن جهة أخرى تشير أن الأسباب الذي دفعت واشنطن للانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني وهو أمن الكيان المعرض للخطر مستقبلاً، يصبح معرضاً مباشرة للخطر، ويمكن استعجال المحور بتحقيق المخاوف الأمريكية المستقبلية، وأيضاً لعب محور مكافحة الإرهاب بالتنسيق المستمر بين دوله وقياداته تكتيكاً يمنع قرار الحرب الشاملة، حيث يحتاج مثل هكذا قرار للكيان لوجود رئيس الوزراء واجتماع الكابينيت الإسرائيلي وإقراره بالحرب، في حين أن رئيس الوزراء كان في موسكو، ويخضع للتأثير والضغط المباشر من هناك، لاحتواء التداعي الخطير في الأقليم والعالم، كنتيجة للرد السوري والإيراني على أكثر من 100 اعتداء إسرائيلي ضد سورية والجيش السوري وحلفائه، في عمليات كانت تحمل مساعدات علنية للمجموعات المسلحة الإرهابية التي تقاتل في سوريا (داعش والنصرة)، وفي حين يحضر الجيش السوري وحلفاءه لعمليات تطهير الجنوب من جيش خالد بن الوليد (داعش) والفصائل الأخرى التي تعمل بالتنسيق الإسرائيلي وتداوي علناً في مشافيها، والتي يتبع أغلبها إلى تنظيم القاعدة، يمارس الكيان الإسرائيلي غاراته المتككرة ويحضر مع بريطانيا سيناريو التصنيع السري للأسلحة الكيميائية لردع الجيش من التقدم في حال انطلاق عمليات الجنوب، وهو ما لاقى رداً حقيقياً على مراكز تابعة للجيش الإسرائيلي والتي تشرف على المراقبة والتخطيط وشن عمليات في الجولان المحتل ضد الأراضي السورية، وهو مايعني رسالة قاسية للكيان المحتل بإن أي تدخل ضد الجيش في عملياته التحريرية ضد الإرهابيين في جنوب سورية، سيلاقي رداً مشابهاً وحتى أكثر قسوة، مايعني ردع الكيان الإسرائيلي من الوقوف بشكل مباشر بطيرانه ومدفعيته ضد تقدم الجيش السوري وحلفائه، وإحباط أخطر مخطط للكيان وهو اقتحام حوض اليرموك المليء بالسدود والمياه بحجة محاربة داعش والسيطرة عليه، وفرض منطقة عازلة جديدة على حدود الجولان المحتل، لذلك خلاصة الأمر أن ماحصل بالأمس هو رسالة بعدة أبعاد وعلى أكثر من صعيد تشمل العسكري والسياسي وببعد إقليمي ودولي.