الحلقة المفرغة في جنيف .. هل يخرقها اجتماع طهران خلف الأبواب المغلقة ؟
صلاح النشواتي-لا تزال المحادثات السورية-السورية في (جنيف) تدور حول نفسها مفرزةً ذات النتائج متفردةً في الصيغ والأساليب في كل جولة، كان آخرها السلال الأربع متوازية المسارات، ولكن أيضاً دونما نتيجة حقيقية تذكر أو تشكل خرقاً لمسار الأزمة السورية بجانبيها السياسي والعسكري، فحتى هذه اللحظة لا يزال الطرفين الرئيسين في المحادثات يولون الأهمية ولو كانت ضمنية هذه المرة لسلة دون الأخريات
، خاصة بعد نجاح الدبلوماسية الحكومية بإضافة مكافحة الإرهاب كسلة رابعة في (جنيف4)، بحيث استطاعت من خلال هذا الخرق الدبلوماسي دمج المسارين السياسي المتمثل في (جنيف) والعسكري المتمثل في (استانة)، وهو ماكان وفد المعارضة المسلحة ووفد الهيئة العليا للمفاوضات يحاولان جاهدين فصلهما على أمل دفع المحادثات المتعلقة بالمرحلة الانتقالية، مقابل التقاعس في موضوع التعريف المشترك للإرهاب وفصل ماهو معتدل عن ماهو إرهابي فضلاً عن وقف إطلاق النار، و تأخر وفد المعارضة المسلحة عن حضور اجتماع (استانة) الماضي إلى يومه الأخير، هو مايثبت أن قوى المعارضة تهدف لاستخدام مسار (استانة) للضغط على مسار (جنيف) نحو تحقيق مكاسب سياسية بحتة بأقل الأثمان سعياً نحو السلطة كأولوية قصوى، وتنسيق خياراتها على هذا الأساس وهو ماظهر جلياً من خلال اعتبار الهيئة العليا للمفاوضات -الهجومين الأخيرين على حماه ودمشق- رداً على خروقات الجيش السوري لوقف إطلاق النار، مايضع جملة المشهد التفاوضي في دلالة حول انعدام الثقة بين الطرفين وغياب تام لأي مبادرة تنهي حالة عدم اليقين وتدفع نحو إنهاء الحرب في سورية، بالتالي استمرار عملية التسوية السياسية برمتها في إطار الهرولة في المكان، ولكن التساؤل الراهن هل سيبقى المناخ الدولي ملائماً لهذه الجدلية السفسطائة السياسية بين الأطراف المتحاربة على بقعة جغرافية تملتلك أهمية جيوسياسية بالغة في الشرق الأوسط؟
على المستوى الدولي فإن الولايات المتحدة الأمريكية كدولة كبرى وطرف دولي في الحرب السورية لاتدعم استمرار الحرب لأجل الحرب فقط، إنما لتمرير مشروع أو مخطط لايمكن أن يمر في الأوقات الاعتيادية، وبسط النفوذ الأمريكي في المنطقة الشرقية وفصلها بالفرات كحاجز طبيعي عن باقي المناطق في سورية يعد اهم أجزاء هذا المشروع، بالتالي لم يعد الحل السياسي للأزمة السورية التي تقوده روسيا بضمان أطراف أقليمية يشكل عائقاً امام واشنطن وإنما أصبح ضرورة أمريكية للقضاء على الإرهاب وضمان استمرار نفوذها وهو ماصرح به موظفو خارجيتها حول مصير الرئيس السوري بأنه لم يعد أولوية أمريكية وإنما يقرره الشعب، كرسالة ضمنية بوجوب دفع العملية السياسية نحو الأمام.
أما على المستوى الأقليمي فإن إيران وبناءً على ماجاء على لسان مصطفى زهراني رئيس الشؤون الاستراتيجية في معهد الدراسات السياسية والدولية التابع لوزارة الخارجية الإيرانية لاتمتلك استراتيجيات الخروج من الحرب السورية والذي يدل على أن الحرب في سورية أصبحت حرب استنزاف بتكاليف باهظة تساوي أو تفوق أي مكاسب ممكنة مستقبلاً، بالتالي أصبحت التسوية السياسية للأزمة السورية المخرج الوحيد لإيران من استمرار الاستنزاف الذي لم يعد يخدم أي طرف وذات الحال بالنسبة لتركيا التي تصادمت مصالحها مع مصالح حلفائها التقليديين الداعمين للأكراد في سورية وفي ذات الوقت مطوقة من خلال القوات السورية والروسية في الداخل السوري بحيث يشكل أي تقدم كارثة دولية بالنسبة للأمن القومي التركي، مادفع بالحكومة التركية لإعلان إنهاء عملية درع الفرات دون انتهائها فعلياً، والحديث عن مصير قاعدة أنجرليك بالتزامن مع التوافق الداخلي الإيراني حول استخدام روسيا لقاعدة همدان لمحاربة الإرهاب، بعد ان كان الإصلاحيين الإيرانيين يرون في ذلك خرقاً للدستور والسيادة، فمن الواضح اليوم أن الحرب في سورية خلقت حالة من الإجماع لدى الأطراف الضامنة الثلاث بوحدة المخاطر التي تهدد الأمن القومي لهذه الدول والأمن الأقليمي ككل، فأصبح خيار احتواء الحرب في سورية والسيطرة على مجرياتها خيار الضرورة، ما أسس لتوافق ثلاثي للمشاركة بمؤتمر طهران 18-19 الشهر الجاري على مستوى الخبراء وهو الاجتماع الذي سيحدد مسودات التفاهمات الثلاثية التي ستوقع في اجتماع استانة في 3-4 الشهر القادم، والملفت أن هذا الاجتماع لن يكون فيه أي طرف من أطراف المعارضة المسلحة، مايشير على أن هذه الثلاثية اتخذت قرارها لخرق مسار الحرب الذي أخذ منحنى الدائرة المغلقة في التكرار والإعادة بحيث تصبح النتائج قادرة على إعادة خلق الأسباب التي انتجتها، ليعيد الصراع المسلح إنتاج ذاته في ظروف زمنية ممتدة لا تحقق أكثر من الدمار والاستنزاف وانتشار الإرهاب العابر للحدود والقارات، حيث من المتوقع مناقشة مصير القوات الرديفة في سورية بموازاة مصير المعارضة المسلحة كطرف في الحرب ودورها في الأزمة السورية إضافة إلى أعداد تفاهمات لربط الأمن القومي للدول الثلاث وفصل المعارضة المعتدلة عن الإرهابية، وتحديد الخرائط، والذي يشير بجملته إلى أن المناخ الدولي والأقليمي لم يعد مواتياً لاستمرار هذه الحرب التي تشكل جزء أساسياً من الأزمة السورية حتى وإن لم تكن الأطراف المتحاربة على رغبة أو إرادة حقيقية لإنهائها، ليضع عوامل إنها الحرب بيد ذات الأطراف التي كانت لها مصلحة في استمرارها بشكل أو بآخر أو حسمها عسكرياً.