إيران البحصة التي تسند الجرة
صلاح النشواتي-اتسمت السياسة الخارجية الإيرانية بالعدوانية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية مستندة إلى نفوذها الأقليمي وحلفها مع سورية وحزب الله بالإضافة إلى العلاقات الجيدة مع روسيا الاتحادية, إلا أن سياسة الفوضى الخلاقة التي انتهجتها الإدارة الأمريكية في المنطقة وإطلاق مايسمى ب “الربيع العربي” إضافة إلى العقوبات الاقتصادية التي فرضتها عليها أدت إلى تقويض القوة والنفوذ الإيراني
إلى مادون التهديد المباشر للمصالح الأمريكية, وتحويل سورية وحزب الله من القوة الداعمة لإيران إلى المستهلك للقوة الإيرانية في سبيل الحفاظ على حلفائها ونفوذها في الأقليم, ما أدى إلى تعديل السياسة الخارجية الإيرانية تحت الضغط نحو محاولة صنع بعض التفاهمات والاستغناء عن بعض النوايا العدوانية تجاه المصالح الأمريكية, حيث يأتي الاتفاق النووي الإيراني كتتويج للتحول الإيراني نحو السياسة الخارجية المعتدلة…
ولكن يبقى السؤال حول ماهي استراتيجية الإدارة الأمريكية في المنطقة وإلى ماذا تؤول وما تأثير الاتفاق النووي على الملفات الساخنة في الأقليم؟
إن سلوك الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط يدل على أنها تلعب دور إدارة الصراع مع الحرص على المجموع الصفري لهذه الأضرابات وتنطلق السياسة الأمريكية في تبني هذا الدور من عدة منطلقات أهمها :
1-التوجه شرقاً نحو الصين لمنع تحولها إلى قوة عظمى في العالم بالأضافة لتقويض نموها الاقتصادي والوقوف في وجه تحالف كبير ممكن أن يفعل بين روسيا والصين في شتى المجالات مما يجبر الولايات المتحدة الأمريكية على شراكتهم في إدارة النظام الدولي وهو الأمر المرفوض.
2-ترك وكيل لها في الشرق الأوسط يمثل مصالحها في المنطقة وهي إسرائيل وضمان دعم اللوبي الصهيوني في الداخل الأمريكي للإدارة و في نفس الوقت الحد من طموحها ومساعيها في التحول إلى لاعب أساسي في النظام الدولي ودولة عظمى في ظل انهيار الدول المجاورة وسهولة السيطرة الإسرائيلية عليها_وهنا المفارقة بين المصالح الأمريكية الإسرائيلية المشتركة_ .
ومن مبدأ إدارة الصراع كان لابد للولايات المتحدة الأمريكية من اتباع سياسة إزالة التهديد دون إزالة الخطر في المنطقة, وتجلت هذه السياسة في عدة مواضع منها التهديد الداعشي لحلفائها الخليجيين ودور الحلف الغربي من خلال تدخله الجوي رسم حدود حرب وخطوط نار دون القضاء نهائيا على داعش, وأيضا مبادرة ديمستورا في تجميد القتال في سورية دون الوصول إلى حل نهائي للملف السوري وإبقاء البندقية السورية وسلاح حزب الله موجه إلى الداخل دون إسرائيل, وعلى رأسها الاتفاق النووي الإيراني الذي حال دون امتلاك إيران لأسلحة دمار شامل تهدد الخليج ولكن أبقا على الخطر النووي…
ومن هنا تحولت إيران إلى عامل الاستقرار القلق في المنطقة وإبعاد قليلاً خيارات الحروب الشاملة والمدمرة كتلك البحصة التي تسند الجرة وتحافظ على وضعها دون السقوط…حيث ستستطيع الولايات المتحدة الأمريكية من خلال هذا الاستقرار القلق تأمين وجودها الذي أصبح حاجةً و مطلباً في المنطقة بالإضافة إلى تحولها إلى مرجعية لأطراف الصراع في حال نشوء أي تهديد جديد يهدد هذا التوازن وتضييق المساحة الفردية لاتخاذ القرار في كل دولة دون الإملاء بشكل مباشر خوفاً من السقوط.
أما بالنسبة لمستقبل هذه الصراعات الدائرة فيمكن تحديده من خلال البند الزمني للاتفاق النووي الأيراني بالأضافة إلى الجدول الزمني الأوربي لكسر الطوق الطاقوي الروسي عليها بالإضافة إلى ردود الأفعال الصينية تجاه السياسة الأمريكية ضدها, مع الأخذ بعين الأعتبار التنازلات الكبيرة التي يمكن أن تحصل عليها من جراء الاستنزاف الشديد والطويل لكل اطراف الصراع مقابل تحقيق استقرار دائم ووقف هذا النزف.
وللأسف أن هذه الاستراتيجية الأمريكية تضع دول المنطقة في مكان المجبر على اتخاذ القرار الداخلي المناسب تماماً لأهدافها من حيث لانشعر ولا تمتلك خيار آخر فتدخل هذه الدول في دائرة مفرغة من ردود الافعال المرسومة مسبقاً, والتي لايمكن كسرها إلا في حال تحول هذه الدول من منفعلين في المنطقة إلى فاعلين حقيقيين.